اخبارالرئيسيةعيون

انقسامات المعسكرين في ليبيا تضرب رئاستي مجلسي النواب والدولة

العربي الجديد-

تُلقي حالة التأزيم واستمرار الخلافات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا بظلالها على هيئتي رئاستي المجلسين، وسط استمرارهما في السيطرة على القرارات المهمة، في الوقت الذي يخشى كثر من تزايد الانقسامات في المجلسين وإمكانية تحولها إلى عراقيل جديدة تضاف إلى العراقيل السابقة التي تحيط بالعملية السياسية في ليبيا.

ويُعد إعلان رئيسي المجلسين، عقيلة صالح وخالد المشري، عن اتفاقهما، مطلع يناير الماضي، على إصدار وثيقة دستورية لإنجاز الأطر القانونية لإجراء الانتخابات، أول اتفاق بينهما بعد فترة من الخلافات الطويلة. وتلت ذلك بيانات وتصريحات عدة من الطرفين حملت في ظاهرها استمرار التوافق، كالاتفاق على تعديل الإعلان الدستوري، وتشكيل لجنة 6+6 المشتركة لإعداد القوانين الانتخابية. لكن هذا التوافق الظاهر لم يحجب استمرار الخلافات، خصوصاً بشأن مخرجات لجنة 6+6 التي لا تزال محل جدل بين المجلسين حتى اليوم.

صراعات نفوذ في رأس هرم مجلسي النواب والدولة

وفيما حصل توافق داخل مجلس النواب على تعديل الإعلان الدستوري، عانى هذا المجلس انقساماً حاداً بشأن القبول بمخرجات لجنة 6+6. وقابل ذلك أيضاً انقسام في أوساط مجلس الدولة بشأن المسألتين، أي تعديل الإعلان الدستوري وتشكيل لجنة 6+6 ومخرجاتها، وأخيراً التصويت على خريطة طريق لتنفيذ مخرجات اللجنة بشأن القوانين الانتخابية (التي تنص على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في غضون 240 يوماً من تاريخ المصادقة على القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة 6+6 المشتركة بين مجلسي النواب والدولة، بالإضافة إلى تشكيل حكومة جديدة تقتصر مهامها على الإشراف على إجراء الانتخابات).

الانقسام بدأ يطاول رئاستي المجلسين، بعدما كانتا تشكلان مصدر القوة لكل من صالح والمشري خلال الفترات السابقة. ففي مجلس الدولة، أعلن النائب الأول لرئيس المجلس ناجي مختار انسحابه من جلسة التصويت على خريطة الطريق لتنفيذ القوانين الانتخابية، والتي كانت طرحتها رئاسة المجلس في جلسة الثلاثاء الماضي. وقال مختار في تصريح صحافي، الثلاثاء، إن “الخريطة الجديدة ليست ناضجة ولن تخدم المساعي لحل الأزمة وستزيد من تعقيد المشهد”

وتزامنت تصريحات مختار، الذي كان يعد من أكبر الداعمين لقرارات المشري، مع توقيع 54 عضواً في مجلس الدولة على بيان، أعلنوا فيه عن عدم اعترافهم بإعلان رئاسة المجلس عن قبول خريطة طريق، مؤكدين أن الجلسة غير مكتملة النصاب.

وفي الجانب الآخر، تعيش رئاسة مجلس النواب تغيرات مستمرة، فبالإضافة إلى وجود فوزي النويري، المعروف بسعيه سابقاً لإطاحة صالح، نائباً أول لرئيس المجلس، جرى اختيار مصباح دومة، نائباً ثانياً، بديلاً عن الهادي الصغير، المعروف بقربه من صالح، والذي استقال بشكل مفاجئ في مايو الماضي.

وفيما يؤكد الكاتب والباحث السياسي عبد الله الكبير أن رئاسة مجلس النواب الليبي تعيش حالة من الانقسام وسط تراجع نفوذ صالح فيها، يرى أن تعيين دومة في منصب النائب الثاني على صلة بمساعي بلقاسم حفتر، نجل اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لاختراق مركز القرار في مجلس النواب، مؤكداً أن نجل حفتر “كوّن كتلة برئاسة دومة بدأت تنافس صالح، وبالفعل، فقد بدأ الأخير يفقد سيطرته على القرار في مجلس النواب”، بحسب رأيه.

ولم يشارك صالح في الفترة الأخيرة في العديد من جلسات مجلس النواب التي شهدت اتخاذ قرارات مهمة، كالجلسة التي أوقف فيها رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا عن مهامه منتصف مايو الماضي، وكذلك جلسة الـ26 من يونيو الماضي التي جرت فيها تسمية رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية (الذي كان المجلس قد صوّت لإنشائها في مارس الماضي، وسط اعتراض المجلس الأعلى للدولة ويذكر أن جلسة تسمية رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ترأسها دومة، ولاقت اعتراضاً من فريق من النواب في المجلس.

وفيما أبدى صالح، في تصريحات صحافية، عدم رضاه عن إيقاف باشاغا، دعا في جلسة رسمية للمجلس، يوم الاثنين الماضي، إلى إلغاء قرارات جلسة يوم 26 يونيو الماضي، قبل أن تنشب خلافات بين النواب على خلفية دعوته وتعليق الجلسة إلى موعد مقبل بعد أسبوعين.

وعلى الرغم من مساعي أبناء حفتر لاختراق رئاسة مجلس النواب، إلا أن الكبير يرى، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن تحالف والدهما مع صالح مستمر، مستشهداً في ذلك بسعي صالح إلى تعديل القوانين لتسمح لحفتر بالترشح لانتخابات الرئاسة، في إشارة إلى وجود مصالح مشتركة بين الرجلين، يمكن أن تؤدي إلى استمرار حماية حفتر موقعَ صالح.

كما يذكّر الكبير بأن صالح يحظى بدعم مصري، مشدداً على أن “القاهرة تدخلت، مرة واحدة على الأقل، لمنع إطاحة صالح”. ويعتبر أن الأنباء المتداولة أخيراً بشأن قرب استضافة تركيا لقاء جديداً بين صالح والمشري هي من تجليات التقارب المصري التركي الأخير، وأن “بين صالح والمشري مشاريع مهمة لا يبدو أنه من السهل زوالها، كمشروع قوانين لجنة 6+6 ومشروع خريطة الطريق، لكن مقابل ذلك بدأت تتكون تحالفات مضادة لهما”.

توازانات هشّة وتبدلات اجتماعية

وفي تفصيل الانقسام الذي تعيشه رئاستي المجلسين، يرى الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي عبد العاطي الهرّام أن انسحاب النائب الثاني لرئيس مجلس الدولة ناجي مختار من جلسة التصويت على خريطة الطريق، يشير إلى تغير مواقفه السابقة والداعمة للمشري. ويقول حول ذلك إن “هذا يعني أن كتلة التوافق الوطني داخل مجلس الدولة التي يترأسها مختار صارت حليفة لكتلة تيار حزب العدالة والبناء، التي شكّلت خلال الأشهر الماضية معارضة قوية لقرارات المشري، فالكتلتين باتت لهما الآن صلة مباشرة برئاسة المجلس”.

ويشرح أن تراجع رئاسة المجلس عن إصدار خريطة الطريق، الثلاثاء الماضي، ووصفها بالقبول “المبدئي”، دليل على تغير الوضع في رئاسة المجلس (أعلن مجلس الدولة الثلاثاء عن قبول مبدئي بخريطة طريق المسار التنفيذي للانتخابات بعد مناقشتها والأخذ بملاحظات الأعضاء).

وفي جانب مجلس النواب، يرى الهرّام، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن “موقف صالح أكثر صعوبة”، مشيراً إلى أن النائب الأول فوزي النويري، المعروف بمعارضته لصالح، “لم يعد لوحده في جبهة معارضة قرارات صالح، بل معه الآن دومة الأشد معارضة”. ويعتبر في هذا الخصوص أن “استقالة الهادي الصغير بشكل مفاجئ، ثم تعيين دومة بطريقة تزكية الأعضاء بالمخالفة للوائح المجلس التي تشترط التصويت لاختيار أعضاء رئاسة المجلس، دليل على وجود تدابير لإقصاء صالح أو على الأقل تحجيم نفوذه”.

ويتابع الأكاديمي والباحث السياسي أن “من المؤشرات الواضحة لفقدان صالح السيطرة على قرار المجلس أنه لم يعد قادراً على تغيير القرارات التي اتخذت في غيابه، كما حدث في الجلسة الأخيرة التي دعا فيها إلى إبطال قرارات جلسة ما قبل عيد الأضحى التي ترأسها دومة”، معتبراً أن “عجزه هذا سيفقده مكانته، حتى عند النواب الذين طالبوا بنفس مطالبه، وهم عدد غير قليل”.

وفي تصريحات صحافية يوم الأربعاء الماضي، قال عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي إن النواب فوجئوا بإلغاء جلسة الثلاثاء التي كان من المقرر التصويت فيها على إلغاء القرارات الصادرة عن الجلسة التي ترأسها دومة (الخاصة بالمحكمة الدستورية). وفي إشارة إلى خروج قرارات رئاسة المجلس من يد صالح، قال العرفي: “تأجيلها كان لمعرفة النائب الثاني أن التصويت سيكون عكس مصلحتهم”، مضيفاً أن “هناك تخبطاً في هيئة رئاسة مجلس النواب، ولا بد من إعادة تنظيمها من جديد”.

ويلفت الهرّام إلى وجود أسباب أخرى أثرت على النفوذ السياسي لكل من صالح والمشري، وتتعلق بتغيرات اجتماعية على صلة بالتوازنات السياسية. ويشرح ذلك بأنه “طيلة السنوات الماضية، شكّل انعقاد جلسات مجلس النواب في طبرق (شرق ليبيا) عاملاً مهماً لسيطرة صالح على القرار، فطبرق كانت تمثل حاضنته القبلية وحصنه الاجتماعي الذي عزّز نفوذه، والدليل على ذلك أن تراجع نفوذه في مجلس النواب بدأ مع انتقال جلسات المجلس إلى مدينة بنغازي بعد احتراق مقره في طبرق، وبنغازي مركز سيطرة حفتر وأولاده، ولا يوجد لصالح فيها أي نفود”.

وفيما خصّ مجلس الدولة، يعتبر الهرّام أن المشري فقد أيضاً ظهيره وحلفاءه في مدينة الزاوية، التي يتحدر منها، منذ أن بدأت حكومة الوحدة الوطنية شنّ حملات عسكرية على ما وصفتها بأوكار الجريمة في الزاوية في مايو الماضي. ويلفت إلى “مهاجمة المشري رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة واتهامه له بأنه يسعى من خلال الهجمات إلى تصفية خصومه السياسيين، وبالطبع هو يعني نفسه فهو من بين خصوم الدبيبة، وهو ما تحقق، إذ لم يعد للمشري أي قوة اجتماعية أو نفوذ في أوساط المسلحين في الزاوية”. أما سياسياً، بحسب الهرّام، “فالمشري ليس على وفاق مع الأحزاب الإسلامية كحزب العدالة والبناء والحزب الديمقراطي، وكذلك كتلة الوفاق الوطني، وهي أهم القوى في مجلس الدولة”.

يذكر أن الخلاف بين المشري والدبيبة عاد إلى الواجهة ليل الخميس- الجمعة، مع مهاجمة رئيسُ المجلس الأعلى للدولة رئيسَ حكومة الوحدة، متهماً إياه بالتضييق على مجلس الدولة ومنع اجراء الانتخابات. وجاء ذلك بعد ساعات من إعلان رئاسة مجلس الدولة منع السلطات الأمنية في مطار معيتيقية بطرابلس عدداً من أعضاء المجلس من السفر وحجز جوازات سفرهم.

وأكد المشري، في كلمته، أن مجلسه “عازم وبشكل واضح وحقيقي على دعم مسار الاتجاه إلى الانتخابات واتخذ في ذلك كل الخطوات”، مضيفاً أن هذه الجهود “قوبلت برفض قاطع وقوي من الحكومة (حكومة الوحدة الوطنية) ومن قبل بعض القوى المسيطرة بحكم الأمر الواقع”.

وقال المشري إنه بعد تصويت مجلس الدولة على خريطة الطريق التي تتضمن تغيير الحكومة، الثلاثاء الماضي، “جنّ جنون الحكومة والقوى المسيطرة بسلطة الأمر الواقع وطلبت من الأجهزة الأمنية التابعة لها عرقلة جهود المجلس”. وأضاف: “كان هناك عدد من أعضاء مجلس الدولة ذاهبين إلى تركيا في مهمة رسمية، وقد مُنعوا من السفر وصودرت جوازاتهم”. وحمّل المشري رئيس الحكومة “المسؤولية بشكل مباشر عن سلامة أعضاء المجلس”، وحذّر من أن “أي تهور من رئيس الحكومة تجاه أي عضو من أعضاء مجلس الدولة أو مكتب الرئاسة أو رئيسه سيجعلنا ننحدر بشكل قوى وعاجل نحو صدام مسلح لن تحمد عقباه”.

هذا التطور رافقته أيضاً أنباء عن اعتقال وزير المالية السابق فرج بومطاري في مطار معيتيقة، وهو ما لاقى استنكاراً كذلك من رئاسة مجلس النواب، فيما أعربت البعثة الأممية في ليبيا عن “انزعاجها الشديد من استمرار عمليات الخطف والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري للمواطنين والشخصيات العامة من قبل مختلف الجهات الأمنية في ليبيا”.

وأشارت البعثة إلى “ورود تقارير عن اعتقال” بومطاري في مطار معيتيقة “واقتياده إلى مكان مجهول”، وكذلك إلى “التقارير حول منع خمسة من أعضاء المجلس الأعلى للدولة من السفر في نفس المطار”، معتبرة أن “من شأن هذه الأعمال أن تنتج مناخاً من الخوف، وأن تزيد من التوترات بين المجتمعات المحلية والقبائل، كما أن لها تداعيات خطيرة على توحيد المؤسسات الوطنية. علاوة على ذلك، فإن استمرار هذه السلوكيات لا يمكن أن يساعد على المضي قدما لإجراء انتخابات شفافة وشاملة وإنجاز المصالحة الوطنية”. وربطاً بذلك، قالت البعثة إنها تشعر بـ”بالقلق البالغ من التقارير التي تفيد بإغلاق بعض حقول النفط” رداً على اختطاف بومطاري.

وبناء على كل هذه التطورات، يلخّص الهرّام المشهد بأن مظاهر الانقسامات في المجلسين “تنبئ بالمزيد من التعقيدات إذا نجحت التحالفات الجديدة في إقصاء صالح والمشري داخل رئاستي المجلسين، وخلق واقع جديد قد يجهض، أو على الأقل يعرقل، مساعي البعثة الأممية الجديدة لإطلاق مسار تفاوضي لتسوية الملفات السياسية العالقة”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى