اجتماعياخبارالرئيسية

أطفال فقدوا ذويهم.. مأساة معقدة بعد إعصار درنة الليبية

الأناضول-

يوم بعد آخر تتكشف أبعاد الكارثة التي حلّت بمدينة درنة شرق ليبيا؛ جراء إعصار “دنيال” الذي ضرب الساحل بقوة في 10 سبتمبر الماضي؛ ما أدى إلى انهيار سدين رئيسيين، فتدفقت كميات هائلة من المياه جرفت أجزاء واسعة من المدينة المنكوبة.

في هذه الكارثة لقي ما لا يقل عن 4333 مصرعهم، وبات 8500 آخرين في عداد المفقودين، لكن ربما الأكثر وقعا هو أن أطفالا نجوا من الموت، لكنهم فقدوا عائلاتهم، وباتوا اليوم في مواجهة قاسية مع الحياة وهم “غير مصحوبين بذويهم”.

هؤلاء الأطفال أيضا دُمرت مساكنهم ومدارسهم، وواجهوا الموت خلال إعصار مدمر؛ ما أصابهم بأزمات نفسية يكابدون بعدها مأساة جديدة تتمثل في العيش منفردين، على أمل أن تُكتب لهم النجاة من الحياة، كما كتُبت لهم من الموت.

كفالة الدولة

في حين دشنت المنظمات الليبية مثل الهلال الأحمر والكشافة والمنظمات الدولية كمنظمة الصحة الدولية والصليب الأحمر، برامج لدعم أولئك الأطفال نفسيا، تساءل مراسل الأناضول إذا ما كان هذا الدعم كافية كي يستمروا في الحياة.

الإجابة جاءت على لسان المستشار بالحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب (شرق) مجدي الشريف، إذ قال للأناضول إن “تلك البرامج الداعمة لنفسية الأطفال المتضررة ما هي إلا مرحلة أولى، لكنها ليست أهم مراحل ما بعد الكارثة”.

وأضاف الشريف: “لكي ندمج أولئك الأطفال في المجتمع، علينا أولا أن نهيئهم لاستقبال الحياة والتعليم والعيش، ثم تبدأ المرحلة التالية”.

هذه المرحلة أوضح أنها تهدف إلى “مساعدة الأطفال غير المصحوبين بذويهم على مواجهة الحياة، بما يشمل التعليم والعيش وتلبية الاحتياجات الأساسية والسكن والصحة والإعانة المادية”.

وتابع أن “الحكومة فكرت في كل هذا، وأصدرت قرارا يقضي بضم جميع الأطفال الذين فقدوا ذويهم جراء الإعصار إلى مسؤولية الدولة بشكل كامل وشامل”.

وهذا “القرار يقضي بتسميتهم بمكفولي الدولة الليبية، إذ ستوفر لهم الدولة الدعم النفسي والرعاية الاجتماعية.. ستوفر لهم راتبا شهريا وتتكفل بمصاريف تعليمهم وعلاجهم وتوفر لهم مسكنا لائقا”، كما بيّن الشريف.

وبشأن عدد الأطفال الذي سيشملهم قرار الرعاية، قال إن “لجنة مختصة شُكلت بموجب القرار تتولى حصر الأطفال المشمولين بأحكام القرار”.

وختم الشريف بأن “العملية تحتاج وقتا، فهناك أطفال غير مسجلين لدى المؤسسات الحكومية والمنظمات الأهلية، إذ اصطحبهم أقارب لهم في شتي المدن شرقا وغربا، ويتم حاليا حصرهم بدقة لتسجيلهم ضمن القرار الحكومي”.

معاناة مضاعفة

مشددا على المعاناة المضاعفة لأطفال درنة الذي فقدوا ذويهم، قال رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (غير حكومية) أحمد عبد الحكيم حمزة إن “السلطات، وعبر مؤسسات ومنظمات عديدة معنية، تعمل على تخفيف وقع الكارثة من خلال جلسات دعم نفسي واجتماعي للأطفال”.

وتابع حمزة للأناضول أن “السلطات يجب عليها العمل كذلك على توفير الاحتياجات الأساسية للأطفال وإيواء مَن فقدوا كل عوائلهم أو جزءا من أسرهم”.

وهذه العملية يمكن أن تتم في “مرافق إيواء خاصة تحت رعاية الهلال الأحمر أو دور الرعاية الاجتماعية أو ما يعرف بدار رعاية الطفل التابعة لهيئة صندوق الضمان الاجتماعي، وتحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية”، كما أردف حمزة.

وأوضح أن “السلطات شرعت بإجراءات الكفالة والحضانة لمَن فقدوا كل أفراد أسرهم، عبر وزارة الشؤون الاجتماعية والمؤسسات المعنية، فالدولة ولي من لا ولي له”.

التبني وارد.. لكن

وبالنسبة لاحتمال عرض أطفال للحضانة والتبني، قال حمزة إن “هذا غير مطروح حاليا، وصدرت تعليمات رسمية بذلك؛ لأنه يوجد وقع نفسي اجتماعي خطير، فالأطفال خارجين من تأثير صدمة، ومَن فقد عائلته لا يمكنه سماع عبارات مثل: أصبحت يتيما وسيتم تبنيك”.

واستدرك: “الأمر يتطلب عدة مراحل، بينها التعافي النفسي، ثم تهيئة الطفل لمسألة التبني، فالتبني يبقى خيارا واردا، ويوجد قانون خاص بالمسألة حدد فيه المُشرع اشتراطات وضمانات معينة للكافل والطفل المكفول”.

حمزة لفت إلى أن “القانون يشترط نقاطا في التبني، بينها عدم تنسيب الطفل إلى غير مسمى عائلته التي فقدها واحتفاظه بإجراءاته الثبوتية والقانونية السابقة، وضمان القدرة الاقتصادية للعائلة التي ستتكفل به، بجانب عدم تعرضه لسوء أو إخلال بكرامته”.

وأفاد بأن “التبني قد يكون مستبعدا في حالات كثيرة، فالعرف السائد هو أن يتكفل بهؤلاء الأطفال أقاربهم، سواء من ناحية الأب أو الأم”.

وواصفا القرارات التي صدرت بحق هؤلاء الأطفال بـ”المحمودة والمشكورة”، شدد حمزة على ضرورة أن “تتبعها إجراءات عملية مستمرة إلى أن يصبحوا قادرين على تكوين أسر في المستقبل”.

وردا على سؤال للأناضول حول عدد الأطفال الذين فقدوا ذويهم، أجاب بأن “السلطات للأسف تتكتم حول عددهم، ولن يقل عن ألف طفل كنسبة تقريبية وربما أكثر”.

إعادة إعمار المدارس

أمل البرغوثي مسؤولة التواصل والمناصرة بمكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، قالت للأناضول إن “عدد للأطفال المفصولين وغير المصحوبين لا يزال غير واضح، وندعم وزارة الشؤون الاجتماعية، التي تعمل على حصرهم”.

وتابعت أنه “توجد حاجات ملحة يجب تلبيتها بسرعة في درنة، أولها التعليم؛ إذ تأثرت 117 مدرسة جراء العاصفة وتعرضت 44 منها لأضرار جسيمة، والأطفال بحاجة للعودة إلى التعليم بأسرع وقت؛ ما يتطلب إعادة أعمار وترميم المدارس وتوفير الموارد اللازمة للمعلمين”.

و”بنفس القدر من الأهمية يجب أن يحصل الأطفال على دعم نفسي واجتماعي، بالإضافة إلى المساعدة في إعادة توحيد العائلات التي مزقتها الأزمة”، كما أردفت البرغوثي.

كوابيس وانتحار

البرغوثي قالت إنه “استنادا إلى تقييمات اليونيسف وزيارة أماكن عامة يقيم بها النازحون، يُظهر الأطفال والبالغون مستويات عالية من الصدمة والتوتر، ويعاني 56 بالمئة من الأطفال الذين تم استطلاع آرائهم من ضغوط نفسية”.

وزادت بأن “شركاء أفادوا بوقوع حالات انتحار بين الأطفال وعدم نوم وتبليل الفراش وكوابيس والخوف من الأصوات العالية، ونعمل مع الشركاء على توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال والعائلات المتضررة، ونقدم الإرشاد وأماكن آمنة للأطفال للعب والتعلم، بالإضافة إلى تدريب على كيفية مساعدة الأطفال”.

“ووسعت اليونيسف نطاق تدخلاتها في الدعم النفسي والاجتماعي بإرسال 6 فرق استجابة متنقلة، ويتم تجهيز 10 فرق إضافية”، كما زادت البرغوثي.

وأفادت بأن “أكثر من نصف المرافق الصحية تعطلت وفقدت درنة 101 من العاملين في القطاع، بينما السكان و40 بالمئة منهم أطفال في حاجة ماسة للدعم الطبي وإصلاح المرافق الصحية وتوفير الأدوية والمعدات الطبية واللقاحات للوقاية من الأمراض”.

كما “تأثرت شبكات المياه، وأصبح توفير مياه الشرب النظيفة تحديا كبيرا، وتحتاج المدينة إلى إجراءات فورية لترميم هذه الشبكات واستئناف خدمات الصرف الصحي”، بحسب البرغوثي.

ومشددة على “وجود حاجة عاجلة للإغاثة والإنقاذ وتوفير المأوى والغذاء والملابس للنازحين والمتضررين”، ختمت بمناشدة السلطات المحلية والمنظمات الدولية والدول تقديم مساعدات مكثفة في مواجهة هذه الكارثة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى