الرئيسيةالراي

ليبيا.. نظرة إلى تصريحات رئيس لجنة تقصي الحقائق

* كتب/ السنوسي ابسيكري،

تصريحات محمد أوجار، رئيس لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قوية سواء على مستوى توصيف وتصنيف ما وقع من انتهاكات في ليبيا منذ العام 2016م، بالقول إنها ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أو على مستوى العزم على الإفصاح عن أسماء المتورطين فيها من أفراد ومليشيات محليين وأجانب وحتى دول.
صحيح أن تقارير لجنة الخبراء التابعة للمنظمة الأممية تضمنت معلومات مهمة حول تورط أطراف محلية وخارجية في انتهاكات خطيرة وقعت في البلاد خلال الأعوام الأربعة الماضية، وورد بتلك التقارير إشارات صريحة تكشف تورط دول عربية وغيرها في أعمال تخرق القانون الدولي وتصادم قرارات مجلس الأمن، تم تسميتها دون مواربة، إلا أن نتائج عمل لجنة تقصي الحقائق، كما جاء على لسان رئيسها، كانت أشمل وتأسست على أدلة، وصفها الرئيس بالقوية وذلك في إحاطته أمام المجلس مؤخرا.
رئيس لجنة تقصي الحقائق وعد بأن يفصح عن أسماء المتورطين في الانتهاكات، التي أشار إلى بعضها، فور انتهاء أعمال اللجنة، وهو مبرر غير مفهوم وسيفتح الباب أمام التكهنات ويدعم موقف من يرى أن السياسة يمكن أن تعلو على الانتهاكات، وأن نتائج لجنة تقصي الحقائق يمكن أن تضيع في خضم التوازنات الدولية.
واقع الحال أن ما يصدر عن المؤسسات الدولية سواء المعنية برصد الانتهاكات مثل مجلس حقوق الإنسان أو تلك المختصة في البت فيها كمحكمة الجنايات الدولية لا يغير كثيرا في اتجاهات الأزمات ومواقف الأطراف المتورطة فيها.
فقد صدرت تقارير عدة عن جهات دولية تتعلق بالواقع الأليم لحقوق الإنسان في ليبيا تضمنت كما أسلفنا تورط أفراد ودول في الانتهاكات، وصدر عن محكمة الجنايات الدولية قرارات بضبط وإحضار مطلوبين في جرائم ضد الإنسانية مثل قرار اعتقال وإحضار الضابط في الجيش التابع للبرلمان محمود الورفلي، إلا أنها لم تستطع تنفيذ تلك القرارات ولم يلتفت أي من الأطراف الدولية الفاعلة إلى تلك التقارير والأحكام، ولقد تحدى حفتر القرار الدولي بترقية الورفلي إلى رتبة رائد، ولم يقابل سلوكه هذا بالإدانة فضلا عن إجراء عقابي يرد للمحكمة اعتبارها.
والملاحظ أن المحكمة اتجهت إلى إدانة ومحاكمة الورفلي وهو الذي قام بتنفيذ ما أمر حفتر والذي ظهر في تسجيل بالصوت والصورة يأمر بتصفية المقاتلين ورفض فكرة أسرهم، ولهذا التغافل دلالته الواضحة.

من جهة ثانية، فإن التدافع والتوازن على الساحة الدولية والذي يعكس نفسه في مواقف الأعضاء الكبار في مجلس الأمن يمنع من تبني سياسات واتخاذ قرارات تدين الانتهاكات وتجرم المتورطين فيها، فقد رفضت روسيا مقترحا تقدمت به أمريكا وألمانيا بإدراج اسم محمد الكاني، زعيم ميليشيا الكانيات المتورطة في جرائم خطيرة في مدينة ترهونة أثبتتها عشرات المقابر الجماعية التي ما تزال تكتشف حتى اليوم، في القائمة السوداء لانتهاكات حقوق الإنسان، وانتهى الأمر عند هذه المحطة.
لا يستبعد أن يكون لتوقيت الإفصاح عن بعض مضامين التقرير علاقة بالمرحلة الحرجة التي تمر بها ليبيا، ومعلوم أن واشنطن والعواصم الأوروبية تضغط باتجاه إجراء الانتخابات في موعدها في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل، وأنها تحاول أن تمارس ضغوطا على الأطراف المتورطة بشكل سلبي في النزاع الليبي والتي ما تزال تؤثر على اتجاهات ومواقف الأطراف المحلية خاصة جبهة البرلمان وحفتر، فالتقرير بما تضمن من حقائق يشكل وثيقة تدين تلك الدول بل إنه بمثابة صحيفة اتهام لها، وهو وضع لا تتمناه تلك الدول خاصة أنه يصدر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وبالنظر إلى سوابق مشابهة، وبناء على طبيعة التدافع بين الدول الكبرى المعنية بالنزاع الليبي والتي تتمتع بحق الفيتو في مجلس الأمن، فإن نتائج التقرير لن تجد طريقها في الغالب للتنفيذ سواء في شكل إدانة المتورطين في الانتهاكات الجسيمة أو إقرار عقوبات قاسية يكون لها تأثيرها على سلوكهم الهدام، وأنه سيكون مجرد ورقة ضغط بيد واشنطن والعواصم الأوروبية علها تنجح في فرض التهدئة وتهيئة الظروف للانتخابات العامة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر على موقع عربي 21 يوم السبت (09 أكتوبر 2021م)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى