الرئيسيةفضاءاتكورونا

ليبيا.. كورونا في مرحلة الانتشار المجتمعي، كيف تواجهه الدولة والمواطن؟ (تقرير)

الناس-

تفشى وباء كورونا في ليبيا في شهر يوليو بشكل مجتمعي، وعرفه المركز الوطني لمكافحة الأمراض بأنه المرحلة الرابعة من المرض، بعد أن ظل محاصرا طيلة الأشهر من مارس (تاريخ تسجيل أول إصابة) وحتى يونيو، حيث لم تتعد الحالات أرقاما بسيطة، ولم تحتج أغلبها إلى عناية، والأهم أن الأسرة المخصصة للعناية لم تسجل عجزا.

 

مؤخرا اختلف الوضع، خاصة مع تفشي المرض بشكل ظاهر في العاصمة طرابلس وسبها ومصراتة، ثم زليتن والشاطئ وبنغازي بشكل أقل، وإن كانت دلالات الأرقام لازالت ناقضة في ظل العدد المحدود من العينات المرسلة للمركز الوطني لمكافحة الأمراض، الجهة المسؤولة عن إصدار النشرة الوبائية في ليبيا.

في بداية ظهور الوباء، أصدرت الحكومة عددا من القرارات الاحترازية بخصوص حظر التجول والتباعد الاجتماعي وغيرها، التزم بها من التزم، واستهتر آخرون أو كانوا مضطرين للبحث عن أرزاقهم، لكن بعد مرور فترة من الوقت دون تفش للوباء، عاد الناس إلى ممارسة حياتهم اليومية، فعادت التجمعات، في الأسواق والمطاعم ومقاهي الأرجيلة، كما عادت الأفراح وصالات الأفراح، والأتراح، والاكتظاظ في الأسواق والمصائف والأماكن العامة، وأيضا دور العبادة، بالإضافة إلى عودة المسافرين عبر المطارات أو عبر الحدود البرية وعدم اتخاذ الإجراءات الاحترازية لهم من حجر صحي وعزل للمصابين.

 

ظهرت بؤر للوباء، ولم تتخذ الإجراءات اللازمة لمحاصرته، مع اقتراب موسم العيد، وأخذ المرض يتفشى حيث تجاوزت النسبة العشرين بالمائة، وتجاوزت الخمسين بالمائة في بعض المناطق وفق الإحصائيات اليومية التي ينشرها المركز، وخرج الأمر عن السيطرة كما أعلن المركز نفسه.

الآن سيكون على المريض حجر نفسه، والابتعاد عن الاختلاط حتى لا يعدي غيره، وستتوقف غالبا الأفراح الباذخة، وإقامة المآتم باكتظاظها المعهود، وقد تتوقف الصلاة في المساجد لوقت، وفي حال ساءت حالة المريض واحتاج إلى الإيواء بالعناية فستواجه مراكز العزل عجزا واضحا، وقد حصل فعلا، وغير معلوم إلى أين ستتجه الأمور.

 

يصف أحد المواطنين تجربته مع المرض، فيقول في مقال نشره على صفحته على الفيس بوك: “تختلف الأعراض عند المصابين بالكورونا من شخص إلى آخر فالكثير منهم تكون عندهم الأعراض خفيفة وتقتصر فقط في فقدان حاسة الشم و التذوق أو صداع خفيف وجفاف في الحلق، أما تجربتي أنا معه فكانت صعبة، قاسيت فيها الكثير من الآلام في جميع أجزاء جسمي”.

يقول المواطن “ضو أحمد” عن بداية ظهور المرض معه ثم كيف تطورت أعراضه حتى ظن أنها النهاية: “بدأ المرض معي بألم خفيف في الصدر وفشل عام وإحساس بالضعف مع صداع خفيف، استمر هذا الوضع لثلاثة أيام لم يراودني الشك فيها أنه إصابة بفايرس covid – 19، بل كنت أعتقد أنها نزلة برد عادية سببها التكييف حيث أنها كانت كثيرا ما تلازمني، من ثم بدأ ارتفاع الحرارة التي كانت تصل إلى الأربعين درجة، وعند أخذ الحقنة الخافضة للحرارة تنخفض ثلاث ساعات فقط و تعاود الارتفاع من جديد، عندها نستمر بوضع الكمادات حتى يحين وقت الحقنة التالية، صعوبة في التنفس، وسعال شديد يكاد يفكك الأضلع ويقتلع الرئتين ويمزق الحجاب الحاجز، مع فوضى عارمة في الجهاز الهضمي، يوم إمساك واليوم الآخر إسهال حال لا يمكن وصفه .
تمر الساعات و الأيام وأنا في صراع مع هذا الفايرس اللعين وأسأل نفسي هل بإمكاني إكمال المعركة والانتصار عليه”.

 

وحكى “ضو أحمد” عن الجانب الإنساني من الموضوع، وعن علاقته بأطفاله في فترة الحجر، وكيف كانوا يراقبونه من بعيد ويشجعونه، يقول عن ذلك: “مع كل هذه المعاناة كنت أتألم وأنا أرى أبنائي وبناتي وهم ينظرون إليّ من بعيد ولا يمكنهم الاقتراب مني، و يقولون لي: “أبي تجلد ولا تسمح لهذا المرض اللعين أن يأخذك منا”، وأنا أدعو الله العلي القدير أن يحفظهم وأن يبعد عنهم هذا الوباء، وفي نفسي شوق إلى ضمهم إلى صدري ولو لآخر مرة في عمري .
أنا وهم سجناء في البيت لسبعة وتلاثين يوما، لم نغادره إلا لإجراء بعض التحاليل “..

 

ثم يتحول ليحكي عن زوجته وكيف تحولت إلى فدائية من أجله، وما الذي لحقها من الفيروس القاتل: “كانت رفيقة دربي زوجتي الغالية هي من تقوم بتطبيبي، تقيس لي الحرارة وتحقن الإبر، وتقوم بكل ما تقوم به الممرضات من رعاية صحية، بالرغم من أنها لم تدرس التمريض ولم تمارسه يوما، ولكن الضرورة وضعتها على المحك، وبالطبع كان خوفي عليها من الإصابة، وكنت أسألها كل لحظة هل تشعرين بشيء، وأطلب منها الابتعاد عني، وكانت ترفض بقوة، وزادني هذا الوضع ألما وخوفا عليها من الإصابة، ولكم أن تتصوروا هذا الوضع المليء بالآلام الجسدية والنفسية”.

وأخيرا، من الله على المريض بالشفاء، يقول: “ربنا سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، وبلطفه وكرمه من علينا بالشفاء أنا وابني أحمد الذي كانت الأعراض عنده خفيفة للغاية، أما زوجتي فلم تشعر إلا بجفاف في الحلق وصداع خفيف، وعند إجراء أول تحليل لها كانت النتيجة سالبة”.

 

كانت النهاية جيدة مع هذا المواطن، لكنها لم تكن كذلك في ثمانين حالة أخرى، توفيت جراء المرض، وآخرون مرجون لأمر الله، يعدون بالآلاف. لكن الجانب الإيجابي هو كسر حاجز الكتمان غير المبرر للمرض، إذ صار الكثيرون يعلنون عن إصابتهم ويتصلون بمخالطيهم لأخذ احتياطهم والتوجه للكشف.

 

وستنقسم المسؤولية الآن على جزأين: الأول مسؤولية الدولة والقطاع الطبي عموما، إذ أن القانون يلزمهم بتوفير العلاج المجاني في هذه الحالة، وهذا يشمل القطاع الخاص دون النظر إلى الجانب المادي.

والجزء الثاني والأهم يتعلق بالمواطنين ووعيهم، فإذا لم يحترزوا من المرض فستسير الأمور نحو الأسوأ، وسيعجز القطاع الصحي في كل ليبيا عن استيعاب الحالات المحتاجة للعناية..

 

يشار إلى أن آخر الإحصائيات في ليبيا تظهر وفاة ثمانين شخصا حتى يوم السبت (01 أغسطس 2020م)، كما تشير إلى قرابة 3000 حالة نشطة، وشفاء أكثر من ستمائة مصاب بالمرض.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى