الرئيسيةفي الذاكرة

في الذاكرة- في بيتنا.. راديو …!!!

في بيتنا.. راديو …!!!

* كتب/ عطية الأوجلي

 

 

كانت العديد من الأشياء من حولنا ونحن صغارا تنمو ويكبر حجمها مع مرور الوقت.. الأحياء.. الأجساد.. المباني.. وسائل النقل.. كانت كلها تزداد ارتفاعا وعرضا ووزنا… إلا جهازا واحدا مهما وحيويا.. كان يتناقص باستمرار… جهاز الراديو.

 

فأول جهاز للراديو دخل بيوتنا.. تم حمله بوقار واعتزاز وفرحة من أفراد الأسرة ليستقر في “مربوعة” الحاج.. الذي احتكر بالطبع حقوق استخدامه وأعطى تعليمات صريحة وواضحة عمن يحق له لمس هذا الجهاز السحري المدهش.

كان راديو “فيليبس” أشهر الماركات ودليل الجودة وحسن الاختيار. وبالرغم من كبر حجمه فلم نكن نسمع سوى الإذاعة الليبية.. وأحيانا في المساء للإذاعات المصرية.. وكان الرجال آنذاك متيمون بإذاعة صوت العرب وبصوت مذيعها الأشهر أحمد سعيد وزميله محمد عروق… وفي وقت لاحق بنشرات أخبار البي بي سي اللندنية.

 

مرت سنوات قبل أن يطل علينا جهاز راديو ومعه جهاز “بيك اب”.. الذي يقوم بتشغيل الاسطوانات من حجم 33 لفة، وكانت الماركة هذه المرة “جروندينج” الألمانية.. وتم وضعه في حجرة استقبال الرجال التي تغير اسمها من مربوعة إلى “صالون”.. وأذكر ذاك اليوم المفرح عندما قام الوالد رحمه الله بتشغيل اسطوانة للقارئ المرحوم محمود الحصري وسط إعجابنا ودهشتنا.. وفرحتنا… وشيئا فشيئا بدأنا نسمع الأغاني التي كانت بالطبع مصرية.. وانتظرنا وقتا لا بأس به قبل ان يعمنا الفخر بسماع أول اسطوانة ليبية للمرحوم محمد صدقي.

 

مرت سنوات.. شاهدت البلاد خلالها ثورة في عالم الاتصالات.. عندما تم استيراد جهاز الراديو الترانزستور.. الذي تقلص حجمه وازدادت قوته وقل ثمنه.. مما زاد من سرعة انتشاره.. وتوفر كميات هائلة منه خصوصا في السوق الشعبي الأشهر.. “سوق الرويسات”.. الذي شهد ازدهارا أسطوريا آنذاك.

تميز الراديو أيضا باعتماده على البطاريات الجافة لتشغيله مما يعني سهولة نقله والاستماع إليه في أي مكان تقريبا.. وهكذا أصبح الراديو الجهاز الأكثر انتشارا والأكثر تأثيرا خصوصا على الأجيال الشابة التي ولأول مرة في تاريخ البلاد تصلها معلومات بهذه الكثافة والتنوع بعيدا عن سلطة الأهل والمجتمع المحلي.

تميزت الإذاعة الليبية بانفتاحها على العالم وتنوع وتعدد مصادرها.. إذ استمعنا عبر أثيرها إلى إبداعات فنية من تونس ومصر والجزائر والمغرب ولبنان والعراق وسوريا والسودان.. بل وحتى السعودية التي كانت آنذاك بحكم تكوينها قليلة الإنتاج الفني.. وكان الانفتاح والتنوع في ذلك الوقت نادر الحدوث لأن الإذاعات العربية وخصوصا المصرية تعتمد على الإنتاج المحلي وتكتفي به وتنغلق عليه.

 

ولعل الدور الأكبر لإذاعتنا كان الإسهام في تعزيز الهوية الوطنية.. فتعرفنا عبرها على شخصيات عديدة من أنحاء الوطن/ وتعرفنا على تاريخ وثقافة وجغرافيا الوطن.. حيث قام بعض الأدباء والكتاب وأساتذة الجامعة بتقديم العديد من البرامج الثقافية.. أذكر أنني كنت أتابع بصورة مستمرة برنامجين أحدهما للدكتور علي فهمي اخشيم والآخر للدكتور الهادي بولقمة… كانت الأصوات تتعدد وتتنوع وتعبر عن التغيرات الهائلة التي أحدثتها التقنية الحديثة، وتمهد لتحولات كبيرة يشهدها المجتمع في كل مناحي حياته وبسرعة كبيرة لم تمنحنا الفرصة لاستيعاب كل ذلك.. وإن لم تحرمنا من متعة المشاركة فيه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى