الراي

رأي- هل سيحكم ابن القذافي ليبيا مجدداً؟

* كتب/ عبدالعزيز الغناي، 

يعيش الليبيون واقعاً متغيراً كل مرة وهذه المرة يبدو أنها ليست ككل مرة!

سيف الإسلام النجل الأكبر لمعمر القذافي الذي حكم ليبيا 41 عاماً وأطيح به في ثورة شعبية تحولت لصراع مسلح عام 2011.

هو نجله الأكبر من زوجته الثانية صفية فركاش، ومهندس حاصل على الدكتوراه من جامعة لندن بالمملكة المتحدة، حاول أن يمرر في العقد الأول من القرن الحالي مشروعاً أسماه “ليبيا الغد”، تواصل فيه مع معارضين وحاول إبرام صفقات بين متطرفين سياسيين لإخراج ليبيا من ثوب ألبسه لها القذافي وهو ثوب دولة الاستبداد وملاحقة المعارضين في الخارج وتصفيتهم ودعم حركات معارضة في دول أخرى وقضية تفجير طائرة بانام الأمريكية 1988، على قرية لوكربي الإسكتلندية وما تبعها من عقوبات وحصار على ليبيا.

مشروع سيف الإسلام المرشح الشاب لوراثة القذافي اصطدم وقتها بالحرس القديم من رفقاء القذافي وهم مجموعة من الضباط الأحرار ومسؤولون في المخابرات وشيوخ قبائل كان يحقق بهم القذافي نوعاً من التوازن في ليبيا وكانوا يحصلون على امتيازات لهم ولذويهم بفضل علاقاتهم مع القذافي، ولأن حلفاء الأبناء عادة ليسوا هم ذاتهم حلفاء الأب حصل تصادم ناعم بين رفقاء درب القذافي ومشروع سيف الإسلام وعرابيه الذي بدا أنه يطبق فعلاً مقولة لكل زمان دولة ورجال، وإن رجال سيف الاسلام ليسوا هم رفاق درب والده الذين سيتم تهميشهم تلقائياً.

أيضاً لقي مشروع سيف الإسلام معارضة من بيت القذافي نفسه متمثلة في شقيقيه المعتصم بالله وخميس العسكريين، فالأول يشغل منصب مستشار الأمن القومي الليبي وقد حاول الانقلاب على والده عام 2001 والآخر يقود اللواء 32 معزز، وهما لم يستسيغا شكل الدولة التي يطمح سيف الإسلام إلى تشكيلها بصيغة مدنية نظراً لمرجعية شقيقهما إذ إنه ليس عسكرياً.

بين كل هذه التحركات الخطيرة بين أفراد الاسرة الحاكمة وبين رفاق القذافي في ليبيا، وتحول الشرق الأوسط نحو واقع جديد، فعلي عبدالله صالح في اليمن يبحث عن التوريث وجمال مبارك يستعد لوراثة أبيه، بينما ليبيا دولة بدون دستور منذ 1969، منصب القذافي فيها غامض فهو الحاكم المطلق لكنه ليس ملكاً ولا رئيساً ولا أميراً، جاء الربيع العربي وانتهى حكم زين العابدين بن علي في تونس ومحمد حسني مبارك في مصر وبدأت موجة الاحتجاجات تجتاح ليبيا، في الـ 20 من فبراير 2011، وبعد أن سقط نظام القذافي في شرق ليبيا بالكامل وفي مدينة مصراتة ومدن الجبل الغربي خرج سيف الإسلام في خطاب متلفز استمر قرابة الساعة، خلاصة الخطاب كانت تحذيرات بنشوب حرب أهلية في ليبيا وأن معمر القذافي رمز لكل الليبيين وأنه على المعارضين الانتظار لانعقاد جلسة للمؤتمر الشعبي العام (البرلمان الليبي وقتها ) والاتفاق على دستور جديد وخارطة طريق جديدة.

خطاب لم يكن هو المنتظر من رجل إصلاحات، حيث إن معارضي النظام رأوا أنها مناورة سياسية لقمع الثورة، وفعلاً حصل الصدام المسلح وكان سيف الإسلام أكثر الوجوه ظهوراً على القنوات وهو يعمل على قيادة التصور السياسي لمعركة إعادة سطوة القذافي على ليبيا قبل تدخل حلف الناتو وانتهاء المعارك بمقتل القذافي في سرت في العشرين من أكتوبرمن نفس العام.

قتل خميس نجل القذافي بقصف جوي للتحالف على ترهونة، ثم قتل المعتصم بالله القذافي مع والده في سرت، كما أن محمد وزوجته وشقيقته وزوجة والده فروا للجزائر بعد سقوط طرابلس بيد قوات المجلس الوطني الانتقالي صاحب الشرعية، أما هانيبال – الابن الرابع للقذافي – فُقد لفترة إلى أن ظهر في سوريا ومنها إلى سجون لبنان، بينما توارى سيف الإسلام عن الأنظار إلى أن قبضت عليه قوات المجلس العسكري للزنتان بعد شهر من قتل والده في سرت.

في السابع والعشرين من يونيو عام 2011 أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة قبض بحق سيف الإسلام القذافي رفقة والده ومدير المخابرات الليبية عبدالله السنوسي على خلفية اتهامهم بأنهم يتحملون المسؤولية الأكبر عن الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت على الأراضي الليبية منذ 15 فبراير 2011.

حتى الآن يقبع سيف الإسلام في سجنه في الزنتان، بحسب تقارير وقد حضر عدة جلسات في إطار محاكمته في ليبيا بواسطة نظام الدائرة المغلقة – نظراً لتحوطات أمنية وخوفاً على احتمالية هروبه في حال نقله إلى مقر المحكمة في طرابلس – إلا أن سخونة الأحداث الدائرة في ليبيا قد عطلت المحاكمة، ويواجه سيف الإسلام تهماً عديدة تتضمن “التحريض على إثارة الحرب الأهلية والإبادة الجماعية وإساءة استخدام السلطة وإصدار أوامر بقتل المتظاهرين والإضرار بالمال العام وجلب مرتزقة لقمع الاحتجاجات التي اندلعت لإسقاط نظام والده.

في يوليو 2015، أعلن برلمان طبرق قانون العفو العام والذي تضاربت حوله الآراء القانونية حيث يشمل القانون العفو عن سيف الإسلام القذافي، كما أنه قد تسرب للإعلام عام 2017 خبر مفاده إطلاق سراح سيف الاسلام القذافي من سجنه في مدينة الزنتان وأنه يتواصل مع خبراء روس.

 

حظوظ سيف الإسلام في العودة للمشهد السياسي

مع تآكل الشرعيات في ليبيا ودخولها في حرب أهلية وإقليمية ضروس بدأت من بنغازي وتوقفت في طرابلس وقد تستعر مجدداً على حدود سرت، أصبحت كل الحلول السياسية متاحة خاصة مع صعوبة إجراء انتخابات وصعوبة الاستفتاء على الدستور نظراً لامتلاك جميع الأطراف المتنازعة في ليبيا للسلاح، كانت هناك دعوات بعودة سيف الإسلام لحكم ليبيا، فقد شهدت مدينة سرت – مسقط رأس القذافي- عدداً من التظاهرات المطالبة بعودة سيف الإسلام القذافي للحكم، كما أنه قد تم كشف اللثام مؤخراً عن حراك سمي بـ (رشحناك) يسعى لدعم سيف الإسلام “كونه مواطناً ليبياً وشاباً ولديه قاعدة شعبية عريضة لا يمكننا تجاهلها والدفع به كمرشح سياسي عبر صناديق اقتراع يحدد مصيرها الليبيون” بحسب نص بيان للحراك.

قبل ثورة فبراير في ليبيا كان سيف الإسلام يتمتع بدعم الغرب وخاصة بريطانيا، لكن بمجرد تسارع الأحداث وتحول الحراك الشعبي لنزاع مسلح اتخذ سيف الإسلام موقفاً متشدداً نادى فيه بالسيطرة بالقوة على كل التراب الليبي، والتف العالم برعاية أمريكية فرنسية بريطانية حول قرار أممي بحماية المدنيين واستخدام القوى ضد القذافي وتم تكليف حلف الناتو بالمهمة.

روسيا في جلسة التصويت الشهيرة تلك كانت هي والصين قد تحفظتا على القرار 1973، لذا بقيت الحليف المهم والقريب من سيف الإسلام والذي يرى فيه أن يده نظيفة من دم والده، روسيا بالمثل تريد أن تتدخل بعمق في ليبيا وتراهن على سيف الإسلام القذافي رغم أنه مطلوب للعدالة الدولية، لكن الدبلوماسية الروسية بكل تأكيد تستطيع حمايته إلى أن تتموضع في ليبيا رسمياً.

الخيارات السياسية في ليبيا أصبحت تتعقد وانقسم الليبيون إلى شيع وطوائف يبحثون عن بر الأمان خاصتهم، فهناك من يطالب بالعودة لدستور 1963 ومنها العودة للملكية خاصة أن وريث العائلة السنوسية الحاكمة هو محمد الرضا السنوسي المقيم في المملكة المتحدة والذي قد يكون مرشح بريطانيا الدائم والذي قد يلقى قبولاً اجتماعياً بعدما أُنهك الليبيون من الصراع والأزمات المختلفة، وهناك قسم آخر يطالب بانتخابات رئاسية وبرلمانية ،وهناك آخرون يفوضون حفتر لحكم ليبيا، وهناك من يرى أن القبائل قادرة على قيادة المرحلة، إلى آخره من الحلول والمبادرات المطروحة.

لماذا يعود سيف الإسلام مجدداً؟

في الحقيقة إن كل الخيارات مطروحة أمام حل سياسي ليبي، ومن كان يتصور أن مشيل عون رئيس لبنان الحالي قد عاد من منفاه بعد اتفاق الطائف ليتوافق عليه طائفة سياسية من اللبنانيين ويصبح رئيساً للبنان، نعم بالإمكان أن يكون سيف الإسلام رقماً في السياسة الليبية، فهو يمتلك رجال الدولة القديمة الذين يسعون باستمرار لتقويض الثورة والتجربة الديمقراطية، محلياً يمتلك سيف الإسلام رصيداً شعبياً لا يمكن تضخيمه ولا يستهان به، فالأزمات التي عصفت بالمواطن الليبي وافتقاده للأمن ومقومات الحياة جعلته يكفر بالثورة والديمقراطية، إضافة لوجود آلات إعلامية ضخمة – برعاية روسية – والتي تزيد من تضخيم هذه الأزمات، لكنه لا يمتلك رصيداً في معسكر التابعين لخليفة حفتر أو في معسكر 17 فبراير، إضافة أن عدة قبائل في الجنوب ووسط ليبيا قد تخلوا عنه وعن جماهيرية القذافي أما وأنهم بقوا على الحياد أو اصطفوا مع معسكر حفتر، أيضاً فسيف الإسلام متهم بأنه هو من أشعل شرارة فبراير بمحاولة انقلاب ناعم على والده ورفقائه لكن الأمور خرجت عن السيطرة في أحداث ثورة 2011، أيضاً يلعب مناصرو حفتر على إضعاف رصيد سيف الإسلام باتهامه أنه من سعى لإطلاق المعتقلين السياسيين ومن أصحاب الفكر الإسلامي وأبرزهم عبدالحكيم بالحاج، بل إنه عقد معهم صفقات بضغط غربي ومدهم ببعض الأموال كتعويضات في سياق تحسين صورة النظام الليبي وقتها في أعين الغرب، وهروب من اتهامات القمع وانتهاكات حقوق الإنسان.

خارجياً يمتلك سيف الإسلام دعماً روسياً منقطع النظير، أما في المعسكر العربي فهو لا يمتلك ذلك الدعم الكبير رغم أن الإمارات تقود سياسة مجنونة يتوقع منها أي شيء، لكن عائلة القذافي عموماً تُعتبر عدواً لملوك الخليج وأمرائهم بالنظر لسنوات خلت من التلاسن والاستقطاب والاتهامات بتدبير محاولات اغتيال لحكام الخليج، لكن توجد احتمالية أن يلتف أعداء الثورة الليبية حوله بعد فشلهم في الرهان على حفتر وصعوبة إخراج شخصية من العدم ليقنعوا بها الليبيين والعالم.

مستقبل سيف الإسلام

من الواضح أنه لا رؤية واضحة لمستقبل الحكم في ليبيا، فهناك دستور جاهز للاستفتاء يعطله حفتر، ناهيك عن أن الدساتير في دول عربية لا تحمي نظام الحكم وما حدث في مصر في 4 يوليو شاهد على هذا الأمر، ومع انتشار السلاح ووجود تدخل دولي وإقليمي واضح، وتشظي موقف المجتمع الدولي بين الولايات المتحدة وحليفها الأوروبي وروسيا والصين تصبح الرؤية ضبابيةً جداً، لكن بلا شك فإن سيف الإسلام يلقى منافسة شرسة من وريث الحكم الملكي في ليبيا من الرضا السنوسي، ووزير داخلية الوفاق فتحي علي باشاغا الذي أصبح رقماً يفرض نفسه بتوافق داخلي وبعلاقات دولية، خاصة وإن نجحت معركته التي يقودها ويتطلع لها الليبيون في محاربة الفساد، ولا يعني هذا الطرح أن الترشيحات تقف فقط عند هذه الشخصيات، فهناك أيضاً شخصيات أخرى في شرق ليبيا وغربها ولكنها تفتقر للظهور والقبول المحلي والخارجي.

رصيد سيف الإسلام الشعبي يرتكز على رفاق معركته في 2011 ومن هم على الحياد، فحجم الشقاق بينه وبين مدن الثورة كبير ولا يمكن ترميمه في مجتمع قبلي كالمجتمع الليبي، كما أن حفتر يدين بالعداء المطلق لسيف الإسلام، فمعسكر حفتر مهدد بالسقوط جماهيرياً في حال ظهور سيف الإسلام مجدداً، كما أن عائلة حفتر التي تأسست في شرق ليبيا وتتواجد هناك منذ فترة طويلة، ترى في عودة عائلة القذافي للحكم أكبر تهديد لوجودها وبقائها، لذا فحظوظ سيف الإسلام لن تكون بتلك القوة المتوقعة لكنها ورقة لا يستهان بها بإمكانها قلب الموازين ولو بطريقة غير مباشرة في بلد قال عنه المؤرّخ الإغريقي “هيرودوت” مقولته الشهيرة “من ليبيا يأتي الجديد” منذ 26 قرناً..!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى