الرئيسيةالراي

رأي- التوزيع العادل للفساد

* كتب/ هشام الشلوي

على الأقل في الخمسين سنة الأخيرة لم تعرف ليبيا السياسة كصراعات حزبية برامجية -وسط؛ يمين؛ يسار- بسبب إما مرحلة الديكتاتورية أو عشرية الفوضى الأخيرة.

كما إنني أشك شكا عظيما أن المملكة عرفت مثل هذه الصراعات السياسية على البرامج في عصر “ادريس السنوسي” لظروف لا يتسع المجال لذكرها وإن كانت تتقاطع مع بعض ظروف عصري سبتمبر وفبراير.

موضوع مقالنا باختصار لا يتناول الحقب السابقة أو يحاول عقد مقارنات فيما بينها، بل ينحصر في عشرية الفوضى الأخيرة.

بدأت ثورة فبراير بطموحات عريضة لم يتحقق منها شيء، وكانت انتخابات المؤتمر الوطني 2012 وبعض الانتخابات البلدية التي سبقتها أو لحقتها ليست إلا إبرا مخدرة، كما بان للجميع مدى عجز وفشل المنتخبون على مر عشرية الفوضى، لأسباب تتعلق بالتجربة المعدومة أساسا، وسرعة الانزلاق إلى التبعيات المختلفة إقليميا.

أيضا يلاحظ أن عودة ما سُميت بالنخب المعارضة من الخارج كانت فضيحة مدوية من العيار الثقيل، حيث اُكتشف سريعا مدى عجزهم واستعجالهم الجنوني في تكوين ثروات سهلة حتى يضمنوا مستقبلهم في البلدان التي عادوا منها.

الحرب الأخيرة التي شنها حفتر على طرابلس زادت الصورة وضوحا، فبعد اندحار الأخير اتضح أن حفتر سلوكا وفعلا وسياسة لا يمت لإى ما يمكن تسميتها بالديكتاتوريات المحترمة بصلة، فخليط قواته البشع وسلوكها الخالي تماما من أية معايير أخلاقية دنيا متفق عليها يؤكد أنها أقرب إلى العصابات شبه المنظمة.

في المقابل لا تمت حكومة الوفاق الوطني إلى مسمى الدولة المدنية بصلة، فقشرتها الرقيقة كل يوم تضرب عليها وبقوة معاول الفساد بمختلف أشكاله المليشياوية، إذ أن أزمات الكهرباء وكورونا وسوء الخدمات في طرابلس وحدها ميدان وساحة حكومة الوفاق يبين أن المتفق عليه هو الفساد والفساد وحده لا شريك له.

أظن أن الصراع ليس على شمولية الدولة أو مدنيتها، بل على إدارة الفساد وليس المصالح، فهذه الأخيرة تتطلب في نهاية الأمر قدرا من المسؤولية والتوازنات داخل كل معسكر أو بين المعسكرين المتحاربين.

لغة حفتر والسراج جامدة وغير مقنعة في ظل شلل الدولة، وما يقدمانه من حجج أضحت مستهلكة.

حفتر يقول إن طرابلس تسيطر عليها المليشيات والعصابات الإجرامية، ولو انتصر في الحرب الأخيرة فكل الذي سيحصل هو نوع من تبادل المراكز، أي صعود وهبوط، وداخل معسكر حفتر ستنفجر صراعات أخرى لم يرتب هو لها بعد، كالتناقض الصارخ بين أنصار نظام القذافي وأتباع تيار الكرامة الذي له تقاطعات مع تيار فبراير.

أما تعليق السراج عجز حكومته الذي يداريه ببعض الإجراءات غير المقنعة للشارع، لأنها ببساطة لم تنعكس عليه. فالسراج يقول في أغلب خطاباته إنه ورث تركة من حكومات سابقة فشلت في الملف الخدمي. لكنه في المقابل منذ مارس 2016 لم يتخذ السراج أية إجراءات تدل أو توحي بأنه يسعى إلى التقليل من أخطاء الماضي. وترديده الممل بأنه رجل سلام وليس رجل حرب يعطي مؤشرا سلبيا للغاية فرجل الدولة -طبعا هذا الوصف لا ينسحب على السراج ومجموعته- في أوقات هو رجل السلام وأخرى رجل الحرب، هذا هو السياق المعروف.

أيضا يلاحظ أن ادعاء سعي بعض أو كل الأطراف لإنهاء المرحلة الانتقالية غير دقيق، فالذي يخرج من باب السلطة من الصعب أن يعود إليها، فظروف الفوضى لا تطرق على باب الشخص ذاته في اليوم مرتين.

هذه المسألة يجب أن ننتهي من النقاش حولها. فالسراج وقادة الأجسام الأخرى يسعون بشتى الطرق للبقاء، إما في مراكزهم أو البحث عن مراكز جديدة. فالتلويح بالانتخابات البرلمانية والرئاسية من السراج التي يضغط بها، أو تصغير وتغيير المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة منفصلة عنه، كشفت الأيام أنها لعبة مجانية بين الأطراف لا قيمة لها ولا معنى.

لذا بما أن الجميع باقون في مراكزهم إلى أجل غير معلوم، ومع انعدام المنافسة الحزبية البرامجية على إدارة الدولة، وخلو البلد من القدرات إلا من القدرة على الفساد الممنهج، فليكن هناك اتفاق مكتوب أو غير مكتوب برعاية دولية أو محلية على تقاسم نسب الفساد.

ولتبسيط هذه الفكرة، إذا كانت نسب الفساد الحالية مثلا 90%  فليكن الاتفاق على تخفيضها إلى 40% والخمسين الباقية يجري تحويلها إلى مشاريع خدمية يستفيد منها الناس في قطاعات الكهرباء والصحة والإسكان والبنية التحتية. بما أن حفتر ديكتاتور فاشل والسراج مدني فاشل فليجلسا معا وليتناوبا الفساد بهذه النسب الجديدة المتفق عليها.

لا أظن أن الانتخابات ستأتي بخبرات جديدة، إلا ما اكتسبته تلك الخبرات من تلاوين وطرق الفساد. أي أن القادمين الجدد سيبحثون عن خبرات في الفساد جديدة. فالأجسام المنتخبة على مستوى الدولة أو المحليات لم تنتج إلا فاسدين جدد، وحتى أولئك الصالحون سرعان ما تأكلهم طواحين الفساد لا بسبب صلاحهم بل بقلة خبراتهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى