الرئيسيةعيون

تنافس أمريكي روسي في ليبيا.. هل ينتهي بحل سياسي؟ (تحليل)

الأناضول-

تعكس حالة الجمود العسكري في جبهة سرت- الجفرة، ما يجري من مفاوضات في الكواليس بين قوى عالمية وإقليمية، لنزع فتيل حرب مدمرة قد تتجاوز آثارها الحيز الجغرافي لليبيا.

وتحاول واشنطن أن تلقي بثقلها “الدبلوماسي” لتثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا، فيما تعيد موسكو عبر مرتزقة فاغنر إعادة الانتشار والانسحاب خلف خطوط المواجهة، مع التأكيد على رغبتها في إيجاد حل سلمي.

والصراع في ليبيا بين أكبر قوتين نوويتين في العالم، لا يتسم لحد الآن بالحدة، كما أنه ليس على نفس المستوى، ولا ينظر له الطرفان من نفس المنظار.

 

** واشنطن بين الحرب على الإرهاب والهاجس الروسي

واشنطن تعتبر ليبيا مساحة نفوذ أوروبية، فأغلبية النفط الليبي تستورده دول جنوب أوروبا وليست الولايات المتحدة الأمريكية، والأمر ينطبق كذلك على الغاز، حيث أصبحت واشنطن تنافس طرابلس على السوق الأوروبية، بعدما كانت مستوردا صاف له.

لكن ليبيا تستحوذ على اهتمام واشنطن في نقطتين رئيسيتين، أولهما “الحرب على الإرهاب”، والذي يمثل هدفا استراتيجيا لها منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، وتنظيم “داعش” الإرهابي حاول تأسيس إمارة بسرت ما بين 2015 و2016، ومازالت عدة عناصر إرهابية منتشرة في وسط وجنوب ليبيا.

والنقطة الثانية، رفض الولايات المتحدة محاولات روسيا تأسيس قاعدتين بحرية وجوية في سرت والجفرة بالقرب من الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي (ناتو).

لكن ومع هزيمة “داعش” في سرت، أصبح تقليص النفوذ الروسي في ليبيا على رأس أولويات القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم).

ولا تسعى واشنطن لإرسال قوات قتالية إلى ليبيا مثلما فعلت في سوريا، إلا بشكل محدود كما كان قبل بداية هجوم الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، على العاصمة طرابلس في 4 أبريل 2019.

فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقبيل أشهر من خوضه انتخابات رئاسية حاسمة، مازال وفيا لوعوده التي أطلقها في حملته الانتخابية في 2016، بعدم التورط في مزيد من الحروب الخارجية.

لذلك تركز واشنطن على الجهد الدبلوماسي، ودعم مواطنتها ستيفاني وليامز، على رأس البعثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة (منذ مطلع مارس الماضي)، لتحقيق وقف إطلاق النار، واستئناف اجتماعات 5+5 العسكرية بين الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية.

كما جرت مؤخرا عدة اتصالات بين الرئيس الأمريكي ونظرائه في تركيا وفرنسا ومصر، من أجل تثبيت وقف لإطلاق النار.

بينما تحاول “أفريكوم”، تتبع نشاط روسيا وشركة فاغنر في ليبيا، وتسليط الأضواء عليه، سواء ما تعلق بإرسال طائرات حربية روسية إلى قاعدة الجفرة الجوية، أو الأدلة المتعلقة بزرع فاغنر ألغاما بالأحياء الجنوبية لطرابلس، للضغط عليهما، بالتنسيق مع حلفائها، للانسحاب من ليبيا.

وتاريخيا، انتهت مساعي الاتحاد السوفياتي لإيجاد موطئ قدم في ليبيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945) باتفاق الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، على استقلال ليبيا في 1951، وقطع الطريق أمام موسكو للتموقع جنوب البحر الأبيض المتوسط.

 

** البرغماتية الروسية والحصان الخاسر

غير أن استراتيجية موسكو في ليبيا أكثر تقدما من واشنطن، فهي تمتلك مائات المسلحين من مرتزقة فاغنر على الأرض، وطائرات حربية متطورة، ومنظومات دفاع جوي.

ويمكن القول مع بعض التحفظ، إن قاعدة الجفرة الجوية أصبحت قاعدة روسية بامتياز، لذلك كانت موسكو أول من تحدث عن أن خط سرت الجفرة خط أحمر، حسبما نقله نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي أحمد معيتيق عن مسؤولين روس.

فليس من السهل أن تتخلى روسيا عن هدف سعت له منذ عقود وربما منذ قرون، وهو الوصول إلى المياه الدافئة، وأيضا محاصرة حلف الناتو من الجنوب، ردا على تمدده في ما تعتبره حديقتها الخلفية في الغرب (أوروبا الشرقية).

لكن موسكو تركت خطا للرجعة، إذ نفت مرارا مشاركة عسكريين روس في ليبيا، كما أنها تدعو علنا إلى إيجاد حل سياسي.

وهزائم مليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر في المنطقة الغربية، قد تدفع موسكو إلى مراجعة حساباتها، وإعادة ترتيب أوراقها قبل احتراق آخر بطاقة لديها، فالمراهنة على حصان خاسر لا يتفق مع البراغماتية الروسية.

بينما تسعى تركيا للتواصل مع واشنطن وموسكو لإيجاد حل سلمي يجنب المنطقة حربا لا أحد يدري إلى أين ستصل شظاياها.

وهذا ما يعكس اتفاق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي على التعاون الوثيق في ليبيا، وزيارة وفد روسي إلى العاصمة أنقرة، الثلاثاء، لبحث الوضع في ليبيا.

لكن الحكومة الليبية الشرعية لا يمكنها أن تقبل بأقل من تحرير كامل محافظتي سرت والجفرة، إن سلما فسلما أو حربا فحربا، فالأمر لا يتعلق باختيار، وإنما بسيادتها على كامل التراب الليبي، ورفضها لتقسيم بلادها أو وقوع أجزاء منها تحت احتلال أي قوة أجنبية.

وحتى إن أفسحت الحكومة الليبية بقيادة فائز السراج، للمفاوضات والحلول السياسية، إلا أنها بالموازاة مع ذلك تحشد الآلاف من قواتها في جبهة سرت الجفرة، وبشكل غير مسبوق منذ معركة تحرير سرت من تنظيم “داعش” في 2016، استعدادا لمعركة محتملة إن أخفقت الجهود الدبلوماسية في إعادة المحافظتين إلى سيادة الدولة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى