الأناضول-
ينظر الاتحاد الأوروبي إلى الاتفاق الليبي لوقف إطلاق النار، وقبول الفرقاء إرسال مراقبين دوليين إلى منطقة سرت –الجفرة، فرصة لتنفيذ خططهم في إرسال قوة عسكرية إلى الضفة الجنوبية للمتوسط، للظهور بحزم أكبر أمام القوى المنافسة بعد أن وجدوا أنفسهم مهمشين في جوارهم الجنوبي.
ويدفع نحو هذه النزعة التي تميل إلى استعراض القوة الأوروبية في المنطقة؛ كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومفوض الشؤون الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.
لكن ألمانيا وبلدانا أوروبية أخرى لا تملك نفس الحماسة للعب دور عسكري في ليبيا مع ارتفاع المخاطر الأمنية في هذا البلد المضطرب.
ونشرت الصحافة الأوروبية، في أكتوبر، وعلى رأسها صحيفة “بوليتيكو”، ما سمي بـ”الوثيقة الاستراتيجية”، التي أعدتها مصلحة العمل الخارجي الأوروبي، والمكونة من 10 صفحات.
واستخدم بوريل، نسخة أقصر من المسودة، تم تقليصها إلى أربع صفحات، وصُنفت على أنها “حساسة”، في اجتماع غير رسمي لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في العاصمة الألمانية برلين، أواخر سبتمبر الماضي، لشرح الخيارات المحتملة في ليبيا، بحسب “بوليتيكو”.
والخيارات التي تم طرحها على وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي، تبدأ من تقديم المشورة لليبيا، إلى نشر قوات أوروبية بشكل كامل، في المنطقة الوسطى بين محافظتي سرت الساحلية (450 كلم شرق طرابلس) والجفرة (300 كلم جنوب سرت).
لكن المذهل في “الوثيقة الاستراتيجية” الأوروبية أنها تقترح إرسال لواءين من الجنود إلى ليبيا بحجم يتراوح ما بين 5 آلاف و10 آلاف فرد، إلى درجة أن بعض وزراء الدفاع الأوروبيين وصفوا هذه الخطط بـ”المجنونة”، ودعوا لإسقاطها، بينما قال وزراء آخرون إن “الظروف المناسبة لم تتحقق”، وفق الصحيفة.
فهذه القوة المقترحة، تتجاوز مجرد كونها مجموعة “مراقبين عسكريين”، بل يوازي عددها مرتزقة شركة فاغنر الروسية ومعهم المرتزقة الأفارقة الداعمين لحفتر، مما يعني أنها يمكن أن تقوم بمهام تتجاوز مجرد مراقبة وقف إطلاق النار بين الفرقاء الليبيين.
بوريل اعتبر أن زيادة مشاركة الاتحاد الأوروبي في ليبيا علامة على أن الاتحاد أصبح الآن “أكثر استعدادًا لاتباع الكلمات بأفعال ملموسة”.
وهو ما أكدت عليه “الوثيقة”، التي أوضحت أن الهدف من زيادة مشاركة الاتحاد الأوروبي في ليبيا “تعزيز مصداقيته كجهة فاعلة أمنية في الجوار الجنوبي”.
** ماذا يعيق أوروبا في ليبيا؟
يحاول الاتحاد الأوروبي مزاحمة النفوذ التركي والروسي في ليبيا، دون أن يكون طرفا في الحرب الأهلية الدائرة هناك.
ولا يريد الاتحاد الأوروبي الاكتفاء بعملية “إيريني” البحرية التي لم تحقق ما كان مسطرا لها، لكنه يرغب في تواجد قوات برية وجوية داخل الأراضي الليبية.
الوثيقة التي طرحت فكرة إرسال نحو 10 آلاف فرد إلى منطقة سرت والجفرة، تعتبر أن هذا الخيار “مستبعد في هذه المرحلة”، لأن “المخاطر السياسية والمادية” لمثل هذه العملية ستكون “بعيدة المدى”.
إذ يخشى الاتحاد الأوروبي أن يقع في قلب “حرب أهلية”، بين طرفين يملكان أسلحة ثقيلة، ومدعومين من قوى دولية مؤثرة، فضلا عن إمكانية إعاقة روسيا لأي اتفاق لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن لامتلاكها حق “الفيتو”.
كما أن الحكومة الليبية الشرعية تنظر بتوجس إلى الدور الفرنسي الداعم لحفتر، والخلفية الاستعمارية لإيطاليا وفرنسا، وصراعهما على موارد البلاد الغنية بالنفط، خصوصا وأنها سبق وأن انتقدت عملية “إيريني”.
وحتى حفتر، قد لا يتحمس لدور أوروبي من شأنه كشف استعانته بمرتزقة روس وأفارقة وسوريين، وجرائم حرب ضد الإنسانية ارتكبتها مليشياته.
ناهيك أن إقناع روسيا بالتخلي عن قاعدة الجفرة الجوية (وسط)، وعن قاعدتين بحرية وجوية في سرت، لن يكون بالأمر الهين.
وإرسال مراقبين دوليين يحتاج إلى موافقة مجلس الأمن، وقد تقف روسيا حجر عثرة أمام الحصول على هذا التفويض.
ويذهب الخبير الألماني في الشؤون الليبية “فلفرام لاخر”، للقول إن “فكرة إرسال مراقبين أوروبيين إلى ليبيا ليست واقعية على الإطلاق، لأنه مع تواجد تركيا وروسيا، لن يستطيع الاتحاد الأوروبي بالتأكيد مراقبة وقف إطلاق النار، وبغض النظر عن هذا، فإن الليبيين أنفسهم لا يريدون إعطاء الأوروبيين هذا الدور”.
** المعطيات تتغير
تصف الوثيقة، التي صدرت في سبتمبر الماضي، الهدنة بين الجيش الليبي ومليشيات حفتر، بـ”الهشة”، لكن بعد التوقيع على اتفاق دائم وشامل لوقف إطلاق النار بجنيف في 23 أكتوبر، أصبحت الهدنة أكثر متانة.
وتجلى ذلك في عقد اجتماع ثان للجنة (5+5) العسكرية المشتركة، لأول مرة داخل البلاد منذ سنوات، في 4 نوفمبر الجاري، وخرج بـ13 بندا يوضح آليات تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في جنيف.
ومن بين تلك البنود إرسال “مراقبين دوليين”، وسحب القوات الأجنبية من خطوط التماس، ومطالبة مجلس الأمن لتبني وقف إطلاق النار.
وهذه البنود الثلاثة تناسب خطة الاتحاد الأوروبي لإرسال قوة على الأرض بعد سحب “المرتزقة” من سرت والجفرة الخاضعتين لمليشيات حفتر.
لكن الليبيين عندما تحدثوا عن مراقبين دوليين لم يحددوا إن كانوا أوروبيين أو أفارقة أو غيرهم، ولم يحددوا عددهم أو تسليحهم، لأن إرسال قوة أوروبية كبيرة على الأرض من شأنه تأزيم الوضع أكثر من حله.