اخبارالرئيسيةعيون

نكبة “دانيال” تُصالح المتحاربين في ليبيا

العربي الجديد-

دفعت كارثة الفيضانات والسيول التي تسببت بها العاصفة دانيال التي ضربت مناطق شمال شرق ليبيا فجر الأحد الماضي في العاشر من سبتمبر الجاري، الليبيين إلى إطلاق مئات الحملات الإغاثية التطوعية، ما شكل تعاضداً اجتماعياً كبيراً أظهر قدرة الليبيين على ترقيع ما عاناه النسيج الاجتماعي بسبب الحروب طوال 12 عاماً.
ومنذ منتصف نهار الاثنين الماضي، ومع بدء تكشف كارثة مدينة درنة حيث جرفت السيول غالبية المنازل وقتلت وشردت أهلها، بالإضافة إلى مناطق ومدن الشرق الأخرى المنكوبة من جراء ما خلفه الإعصار، قدمت سيارات الحملة الإغاثية من غالبية المدن والمناطق الليبية بهدف المساعدة. ويؤكد عضو جمعية التيسير الأهلية الإغاثية حسن بركان، أنه “للمرة الأولى، أسمع بأسماء بعص القرى والمناطق الريفية”. ويقول لـ”العربي الجديد”: “قابلت شخصاً خرج برفقة 11 شاباً من منطقة تسمى أبالول، وهي قريبة من الحدود الليبية الجزائرية، على متن سيارة تبريد خاصة بنقل الخضار والمواد الغذائية”، مضيفاً: “حين اقتربوا من شرق ليبيا، اشتروا كميات من المياه وبعض السلع. كانوا يفكرون طيلة الطريق في كيفية إيصال المياه باردة”. ويوضح: “هكذا كان يفكر كل من لقيتهم من حاملي الإغاثات، أي كيف يستفيد الناجون والمنكوبون من الإغاثة بشكل مباشر وبيسر”.
ويوم الثلاثاء الماضي، كانت تخوم مدينة درنة محاطة بمئات السيارات التي ينام أصحابها إلى جانبها في انتظار ترميم طرقات المدينة التي قطعتها سيول الإعصار، لإيصال الخيام والغذاء والأدوية والثياب وغيرها إلى الأهالي، بحسب نور الدين حبارات، وهو عضو أحد فرق جهاز الإسعاف والطوارئ التي شرعت في تنظيم سيارات الإغاثة في انتظار إعادة فتح الطرقات المؤدية إلى درنة. يضيف في حديثه لـ “العربي الجديد”: “على الرغم من ألم الانتظار واللهفة لمعرفة مصير الناس داخل درنة، إلا أن تلك السيارات اختصرت كل خريطة ليبيا في بقعة واحدة، فلم تتخلف أي منطقة ليبية عن إرسال معوناتها”.
وكان الناشطون يوثقون نشاط هذه السيارات. وزادت أسماء المناطق والمدن التي ظهر على واجهة السيارات من التنافس “لتزيد حملات التطوع والتبرعات”، كما يقول حبارات، مشيراً إلى زيادة مظاهر التلاحم الاجتماعي. ففي كل منطقة في شرق البلاد يجد المتطوعون ترحيباً وفرحاً كبيراً، كما تظهر عدد الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبرز وجه آخر لصور التلاحم والتعاضد، وكان الأكثر تداولاً في شهادات سجلها مسلحون تابعين لمليشيات حفتر كانوا قد شاركوا في عدوانه على العاصمة طرابلس خلال عامي 2019 و2020، العدوان الذي خلف مئات القتلى وآلاف المهجرين وتسبب في دمار واسع في المنازل والممتلكات الخاصة، منها فيديو يقول فيه أحد مسلحي حفتر، متوجهاً بخطابه لليبيين في غرب البلاد: “ظلمناكم. قبل عدة سنوات ذهبنا إليكم في طرابلس بالسلاح وهجّرناكم من منازلكم واليوم أتيتم لنا بالإغاثة”.
يضيف المسلح: “منذ اليوم لن نحاربكم، أعاهدكم على ذلك”. كما يتعهد مسلح آخر في مقطع فيديو: “منذ اليوم، لو خرج أي أحد بسلاحه في اتجاه الغرب أو الجنوب سوف نمنعه في بنغازي”

وفي فيديو، يظهر فيه رجل آخر يبدو من كلامه أنه كان من الناشطين المؤيدين لحروب حفتر، يقول: “عرفنا اليوم أهمية بعضنا البعض، وأن من غرر بنا لنتقاتل لم يقل الصدق، وأنا أعتذر لكم”.
ومن الجهة الأخرى، قدمت أرتال من اللواء 444 قتال، الذي كان من بين أهم فصائل طرابلس التي شاركت في القتال ضد مليشيات حفتر عامي 2019 و2020، لتأمين قوافل الإغاثة، ووصل إلى مدينة درنة ليشارك أفراده في حملات الإغاثة، وفي الطريق كانت الفيديوهات تنشر على التوالي وتظهر ترحيباً واسعاً من قبل أهالي مناطق شرق ليبيا.
ومن بين الفيديوهات المتداولة بشكل واسع، مقطع تتحدث فيه أم من مدينة ترهونة عثر على بعض أبنائها في المقابر الجماعية بترهونة التي دفنت فيها مليشيات حفتر المئات من أبناء المدينة، وهي تتبرع بدم لأهل الشرق، وتعبر بكلمات تدل على الدعوة للتسامح والتلاحم وتناسي الماضي.

أما غيضان الجازوي، وهو أحد مشايخ قبائل الجبارية في الشرق الليبي، فيشكر خلال حديثه لـ “العربي الجديد”، جميع أهل غربي وجنوبي البلاد، قائلاً: “ما رأيناه منهم كان مدهشاً ومخجلاً في آن. رأيت ساحة أمام جامعة بنغازي تحولت إلى مكان لتجمع سيارات المتبرعين للتنسيق قبل الانطلاق نحو درنة. في هذه الساحة نفسها، كان عشرات الشباب يتجمعون للتطوع في جيش قوات حفتر خلال الحرب على طرابلس”. ويدعو الجازوي إلى ضرورة أن يعقب الحدث في درنة “لقاءات وزيارات من قبل الأعيان والحكماء في الشرق لكل المناطق الغربية والجنوبية لنقل صورة أخرى غابت خلال ما مضى من حروب جعلت الخطاب الاجتماعي يسيطر عليه منطق الفتنة والفرقة والجهوية، وأعاد مسميات تاريخية وجغرافية وحملها مطالب سياسية ونعرات مناطقية”، في إشارة لشيوع استخدام مسميات برقة وفزان وطرابلس التي قامت عليها دولة الاستقلال عام 1951 كتنظيم إداري فيدرالي.
وخلال حديثه عن محطات تاريخية كان أهل الغرب والشرق والجنوب يتبادلون فيها حملات النجدة والتعاضد، يلفت الجازوي إلى أن مدينة درنة “في أحد أطوارها كادت تندثر لولا أن حلّ فيها نازحون من الأندلس قبل قرون، ثم استقبلت مئات النازحين والمهاجرين. وحتى الآن تعد درنة أكثر المدن التي توجد فيها ألقاب تنسب السكان إلى مناطقهم التي جاؤوا منها كالمسلاتي والمصراتي والغرياني والتاجوري، بل فيها أحياء تحمل أسماء مدن ليبية كمحلة زليتن، واليوم تستقبل النجدة من كل ليبيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى