الرئيسيةالراي

رأي- جامعة الدول العربية في تقريرها الخاص بالمسألة الليبية سنة 1950

*كتب/ هشام الشلوي،

من أربع وخمسين صفحة نشرت جامعة الدول العربية سنة 1950 تقريرا عن المسألة الليبية، والتي كانت وقتها ملفا متنازعا عليه بين الدول الأربع الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، مما دعا هذه الدول إلى إحالة المسألة الليبية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أصدرت قرارا عام 1949 باستقلال ليبيا وتعيين أدريان بلت كأول مبعوث أممي يشرف على عملية انتقال السلطة من بريطانيا وفرنسا إلى حكومة ليبية ووضع دستور للبلاد.

ورغم ما يقال عن أصل نشأة جامعة الدول العربية، وأنها صنيعة بريطانيا لفصل هذه الدول عن مشاعر الخلافة العثمانية التي لفظت أنفاسها الأخيرة لأسباب لا يتسع المقام لذكرها، إلا أن زوالها كان حتمية وجبرية تاريخية لا مفر منها، لعجز الخلافة عن اللحاق بالحداثة العسكرية والتقنية التي امتلكتها أوروبا وغزت بها أطراف ومركز الخلافة، وفشل العثمانيون في إجراء أي تحديث سياسي يستوعب التطورات العالمية.

رغم ذلك إلا أن ما لفت انتباهي في تقرير الجامعة الخاص بالمسألة الليبية هو ثناؤه وإشادته ببعض جوانب الحكم العثماني لليبيا، رغم تنازل العثمانيين الأتراك عن ليبيا إلى إيطاليا في معاهدة لوزان الأولى، في أكتوبر سنة 1912، أي بعد عام واحد من غزو إيطاليا لليبيا.

وليس لدي تفسير سياسي أو نفسي لهذا الثناء وتلك الإشادة، ولا أدري إن كان وقوع الدول العربية فريسة لاحتلال الدول الغربية الغاشم والبشع جعل بعض العقلاء العرب يترحمون على أيام أن كانت دولهم تتمتع بحكم ذاتي واسع تحت الحكم العثماني.

وبعيدا عن التحليل أو الاستعراض التاريخي، سأعرض بعض أجزاء من التقرير من ناحية الثناء أو قل إن استعطت الترحم والحسرة على أيام الحكم العثماني لليبيا.

” وحتى الحكم العثماني في طرابلس لم يكن قهرا أجنبيا وإنما كان بدعوة من أهل البلاد ورغبتهم سواء قبل استقلالها على يد الدولة القرمانلية أو بعدها في أوائل القرن الماضي. ففي هاتين المرتين جاء العثمانيون إلى طرابلس برغبة أهل البلاد، بل نتيجة وفود أرسلوها لدعوة الخليفة لاستلام حكم البلاد بعد أن تدهور البيت القرمانلي على يد أخر ولاته يوسف باشا. ولما داهم الإيطاليون طرابلس في سنة 1911 نهض أهل البلاد بإجماعهم لتأييد حكومة العثمانيين والنضال معا ضد الإيطاليين، وأثبتوا بذلك أن الحكم العثماني لم يكن في نظرهم حكما أجنبيا، بل استمروا في المقاومة بعد تسليم العثمانيين عشرين سنة أخرى ”

“والواقع أن الحكم العثماني لم يجرد البلاد من الحكم الذاتي، فقد كان أبناء تلك البلاد يتولون المناصب الرفيعة في بلادهم وخارج بلادهم، سواء أكانت هذه المناصب عسكرية أو إدارية أو مالية، بما أهّلهم لإعلان الحكم الجمهوري عقب الحرب الماضية، والاستمرار في المقاومة اثنتي عشر سنة بعد الحرب الماضية، ومن أبناء هذه البلاد نخبة ممتازة من ذوي التجربة والدراية مشتتون في جميع الأقطار العربية كمصر والمملكة العربية السعودية والعراق وشرق الأردن وتونس والجزائر وسوريا ولبنان. ومنهم عدد كبير في تركيا وفي أواسط أفريقيا خصوصا في منطقة كانم وبحيرة تشاد، وفيهم الكفاية لإقامة حكومة موحدة ببرقة وطرابلس وفزان” ص 5 و6 من التقرير.

إذن مسألة الوعي القومي الحاد والمتطرف في بعض مراحل وأجزاء تاريخ منطقتنا لم يكن واضحا بتلك الصورة التي يحاول القوميون العرب تصديرها على الأقل حتى عام 1950 وقت كتابة تقرير الجامعة العربية، وأن الوعي القومي العربي زادت حدته بعد انقلاب جمال عبد الناصر يوليو 1952.

والحقيقة التاريخية تقول إن ليبيا لم تستفيد أو تنهض سواء في ظل حكم العثمانيين أو تحت جناح العرب ومظلتهم، بل شواهد التاريخ تصرخ بغير ذلك، فيكاد أن يكون الضرر العربي الذي وقع على ليبيا أكثر فداحة، رغم مساعدة ليبيا للجزائريين والمصريين ماديا والوقوف إلى جانبهم في مختلف المحطات التاريخية، إلا أن العرب وجيراننا خاصة ينظرون إلى ليبيا كما تنظر إسرائيل إلى فلسطين بأنها أرض بلا شعب، أو أن الليبيين لا يستحقون خيرات بلدهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى