الرئيسيةالرايكورونا

رأي- الواقع المكتوم لكورونا مصراتة- وشبح الموت في سيارات الإسعاف

* كتب/ د. أنس زرموح،

يقترب شبح حالات الوفيات داخل سيارات الإسعاف المتقاطرة أمام مركز عزل الأورام نهاية شهر يوليو الفائت إبان فترة عيد الأضحى، حيث لم تكتمل التجهيزات والاستعدادات.

هذا الخطر أصبح يهددنا عن قرب هذه الأيام نتيجة للازدياد في عدد حالات استدعاء الدخول. ولعل الكثير من المتابعين والعاملين في كورونا في المدينة على دراية جزئية أو كاملة بالواقع الذي تعيشه المدينة في ظل جائحة كورونا. ولكن تبقى الكثير من الأمور التي يكتنفها الغموض ويسري فيها الفساد المالي والمهني والأخلاقي وتضيع فيها الحقوق والأرواح، هذه الأمور ليست نتيجة لمؤامرات عالمية أو إقليمية خارجية، بل هي منا وفينا وتعتبر من المشاكل القابلة للحلحلة ولا تتطلب توحيدا للكلمة ولا تضحيات بالأرواح ولا رصا للصفوف ولا ميزانيات لا متناهية. ويجب التذكير هنا إلى أن هذا التخبط لا يحصل فقط في مدينتنا، وإنما وقعت فيه معظم المدن والدول بدرجات متفاوتة.

يحتاج واقع كورونا لبعض من المنطق والقليل من الجهود والقليل الأقل من تحكيم العقل والمنطق. سنحاول عرض هذا الواقع وخيارات الحلول السهلة والتي يمكن أن تسهم في إنقاذ الكثير من الأرواح ورفع المعاناة الجسدية والنفسية عن المريض وأقاربه، وعن المدينة بشكل عام.

1 . عدم صرف مكافآت العاملين في مراكز وعيادات كورونا

العاملون في كورونا:

– ليس لديهم مصدر دخل بديل من عمل الخاص.

– لا يحصلون على تفرغ من القطاع العام.

– يخاطرون بحياتهم.

– يخاطرون بحياة ذويهم وأهلهم.

– يعملون تحت ظروف شاقة من ناحية ضرورة الدقة والتركيز والانتباه، مع المحافظة على اللبس الخاص.

– يعملون فوق سعتهم، نتيجة لنقص الكوادر وبالتالي الاضطرار للعمل فوق الاستطاعة.

– تلقوا وعودا متكررة لدفع مكافآتهم، ولم تتحقق، وضاعت ثقتهم في كل المسؤولين والإداريين.

الجنود في هذا الجيش الأبيض ضاقوا صبراً بهذا الواقع، خصوصاً عندما تخرج الأخبار بصرف مليار دينار ميزانية كورونا، ومع هذا لا يتم دفع مكافآتهم. لديهم مسؤوليات مالية واجتماعية ومهنية، من مصاريف وزواج وبناء وامتحانات ودراسة وسفر وغيرها.

بدلا من البدء في توسعة السعة الاستيعابية لمراكز العزل، أصبح انسحاب العاملين بشكل تدريجي يهدد المحافظة على استمرار تقديم الخدمة حتى بالوضع الحالي. الكثير من العاملين سيتوقفون عن العمل 31/10/2020 بسبب عدم صرف مستحقاتهم كسبب أولي ورئيسي.

الحل يكمن في تكثيف الجهود والضغط على وزارة الصحة والمجلس الرئاسي وديوان المحاسبة في دفع مكافآت العاملين، حيث أن إجراءات مراجعة القوائم والتعديلات والموافقات كلها انتهت، وتوقف الأمر عند السلطات العليا بعد الإيقافات الأخيرة من مكتب النائب العام.

الحل البديل هو وقوف أهالي المدينة، ابتداءً من المجلس البلدي إلى المؤسسات المجتمعية إلى رجال الأعمال والأفراد ووضع حلول مالية مستعجلة تكمن في دفع المبالغ المستحقة في الأيام القليلة القادمة.

التلكؤ والتباطؤ في حل أزمة المكافآت سيؤدي إلى توقف الخدمات بشكل مخيف نهاية الشهر الجاري، ويصبح المريض مهددا بالموت في مؤخرة سيارة الإسعاف أو في بيته كما حصل في المرة السابقة.

  1. تواطؤ القطاع الخاص

أصر رواد القطاع الخاص بفعل آراء شاذة وأعذار مُختلقة ومخاوف مبالغة على الإعراض عن المجتمع، في محاولة للتقوقع على نفسه والانفصام عن الواقع الذي يعمل كجزء منه. فقد قامت الكثير من المستشفيات الخاصة بمنع أو توقيف الكثير من الأطباء والتمريض عن العمل بحجة أنهم مصدر لنقل العدوى من مراكز كورونا إلى مستشفياتهم. وتناسوا أن هذه الممارسات لا دليل علمي يساندها، ولا وجود لمثلها في الدول الأخرى، ناهيك على تناسيهم لمستويات النظافة والتعقيم المتدنية في مستشفياتهم والتي يمكن أن تكون مصدرا للعدوى للعاملين والمرضى والزوار.

هذا التعنت وعدم الإدراك لواقع البيئة المحيطة بالمستشفى الخاص أدى إلى رفض تحويل حالات كورونا من المستشفيات الخاصة إلى مراكز كورونا بسبب عدم توفر الكادر الطبي والطبي المساعد، والذي بدوره يرجع لعدم موافقة نفس المستشفيات لكوادرها بالعمل في مراكز كورونا. طبعاً، هذا بالإضافة للعوامل والأسباب المذكورة أعلاه.

الحل البسيط يكمن فقط في السماح لمن يريد أن يشتغل هنا وهناك بالحرية في ذلك، بشرط الالتزام بإجراءات الوقاية العامة والإرتداء الصحيح لأدوات الوقاية الشخصية في الجانبين وفي كل الأوقات. بهذه الطريقة يمكن لمن تأخرت عنه مكافأة مراكز كورونا أن يصبر أكثر ويجنب مركز كورونا أخطار نزوح العاملين نتيجة لتأخر المكافآت.

الرجوع لبيان اللجنة العلمية بخصوص ضوابط تشغيل العناصر الطبية والطبية مساعدة بتاريخ 01/08/2020.

  1. تواطؤ القطاع العام

لا يريد رؤساء الأقسام ومدراء المؤسسات الصحية العامة تفريغ عامليها للعمل في مراكز العزل، وهذ من شأنه أن يقلل من عدد الساعات والمناوبات التي يمكن أن يغطيها الطبيب أو التمريض. توقف هذه الظاهرة الهدامة يمكن أن يساهم بشكل كبير في تدفق العاملين لمراكز العزل، خاصة من لهم مهارات وخبرات يحتاجها هؤلاء المرضى.

الحل يكمن في انفتاح المؤسسات الصحية العامة على واقع كورونا، والسماح لعامليها بالانخراط في مراكز وعيادات كورونا وتفريغهم. ولعله ليس سراً القول بأن المستشفيات والعيادات العامة مليئة بالبطالة المقنعة، وأن ساعات عملهم لا تتجاوز ال24 أو 30 ساعة أسبوعياً وهذا أقل من ساعات التعاقد التي ينص عليها قانون العمل.

  1. الممارسات الطبية والتنظيمية لمراكز العزل

لا يوجد أي نوع من المراقبة الفنية لمراكز العزل، حيث لا وجود لأي معلومات عن أسماء الأطباء أو مؤهلاتهم أو خبراتهم. لا يعلم أحد شيئا عن نوعية العلاجات وهل يتم اتباع الإرشادات العلمية العالمية لعلاجات كورونا، حيث أن التحديثات العلمية تقول ببطلان وعدم فاعلية الكثير من الأدوية التي كثر الكلام عليها في بداية الجائحة مثل (زوماكس، كلوروكوين، والعلاج بالبلازما والفيتامينات وغيرها). كما أن طرق إدارة هذه المراكز تعتبر هشة وبدائية وارتجالية بسبب سرعة إنشائها في وقت قياسي، وبالتالي لم يُلتفت للأصول الإدارية والهيكلة والتراتبية، وهذا من شأنه نشر الفوضى والتسيب والفساد في شتى مستويات الخدمة المقدمة للمريض.

الحل يكمن في تمكين اللجنة العلمية بلدية مصراتة من القيام بدورها الرقابي في إلزام المراكز باتباع الأصول العلمية لعلاج حالات كورونا. الالتزام هنا سهل ومنطقي، حيث يكفي أن يتوقف الفريق الطبي عن إعطاء المريض أدوية تسبب مضاعفات خطيرة بدون فائدة على الفيروس.

كذلك، يمكن للجنة المتابعة الأهلية التي تمت المبادرة بها من قبل مجموعة من منظمات المجتمع المدني والجمعيات المستقلة أن تتبع الفاعلية الإدارية للمراكز من ناحية شفافية أعداد العاملين ووجود جداول عمل وضبط المخازن والتجهيزات والصيانة وإجراءات التسليم والاستلام. يمكن لهذه اللجنة أيضاً، دعم المراكز في تأمين مخصصاتها الاستهلاكية سواء من الجهات العامة أو الخاصة.

  1. المشاكل الأخرى

بالإضافة إلى ما ورد، فإن استمرار سوء استخدام التصوير المقطعي، ووصف أدوية ومضادات حيوية لا تصلح لفيروسات كورونا، وشح عدد مسحات الكشف عن الفيروس، والتلكؤ في دخول حالات الاشتباه وكيفية التعامل معها، والتسيب المجتمعي من ناحية الازدحام والمناسبات الاجتماعية، وعدم الإلتزام بقواعد الوقاية العامة بشكل عام، كلها تؤدي إلى زيادة المعاناة والمراضة والوفيات.

هذه المشاكل والعوائق تبقى رهينة بعض من المنطق والقليل من الجهد والقليل الأقل من تحكيم العقل.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د. أنس زرموح- استشاري أمراض الباطنة والصدرية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى