اقتصادالرئيسيةالراي

رأي- الآفاق الاقتصادية لسنة 2024

* كتب/ د. محمد أبوسنينة،

إذا ما افترضنا جدلاً أن سنة 2023 كانت سنة مالية متكاملة محاسبيا، فإنه تأسيسًا على بيان مصرف ليبيا المركزي حول الإيرادات والنفقات العامة خلال الفترة من 1/1/2023 الى 31/12/2023، نلاحظ أن الاقتصاد الليبي قد دخل سنة 2024 بعجز في ميزان المدفوعات يُقدّر بحوالي 11 مليار دولار، وعجز في الميزانية العامة للدولة، يُقدّر بحوالي 40 مليار دينار، في حال أضفنا ما أنفق على فاتورة المحروقات المستوردة من الخارج الذي يقدر بحوالي 40 مليار دينار إلى إجمالي مصروفات الدعم الوارد ذكرها بالميزانية العامة خلال سنة 2023، وهو الرقم الذي لا يظهر ضمن بنود الإنفاق بالميزانية العامة للدولة.

هذا يعني أن الاقتصاد يعاني من فجوتين، فجوة في ميزان المدفوعات وفجوة في الميزانية العامة للدولة، وهو الوضع الأسوأ الذي يمكن أن يمر به اقتصاد أية دولة. مما يجعل الوضع الاقتصادي، خلال سنة 2024 أكثر تعقيداً وصعوبةً، لا سيما وأن الدين العام قد بلغت نسبته 169% من الناتج المحلي الحقيقي (بالأسعار الثابتة) وحوالي 80% من الناتج المحلى الإجمالي الإسمي في عام 2022، وأن معدلات الدين العام في عام 2023 قد تجاوزت هذه النسب بكثير، في غياب مصادر أخرى لتمويل العجز في الميزانية العامة للدولة.

وحيث إن الإيرادات النفطية المتأتية من تصدير النفط الخام كانت في حدود 20.7 مليار دولار المعادل ل 99.1 دينار ليبي، خلال سنة 2023، وأن إجمالي المرتبات لوحدها، في الميزانية تُقدّر بمبلغ 60.0 مليار دينار، وتكلفة المحروقات ودعمها لمختلف الأغراض (داخل الميزانية وخارجها) في حدود 80 مليار دولار، عليه إذا كان الهدف هو  تحقيق ميزانية متوازنة خلال عام 2024، فإن أي انخفاض في أسعار النفط الخام دون 90 دولار للبرميل خلال عام 2024 بافتراض استمرار معدلات تصدير النفط على ماهي عليه، أو عدم التمكن من تحقيق متوسط انتاج وتصدير النفط في حدود 2.5 مليون برميل يومياً، مع استمرار أسعار النفط عند مستوى 81 دولار للبرميل، فلن يتحقق هدف الميزانية المتوازنة، وستدخل الدولة في عجز مالي قد يتعذر في ظله دفع فاتورة المرتبات في وقتها، ناهيك عن تمويل دعم المحروقات والقيام بأي تمويل تنموي.

ومالم تتحقق هذه المتطلبات سوف تزداد الضغوط على سعر صرف الدينار الليبي في ظل تنامي الإنفاق العام، وسترتفع أسعار النقد الأجنبي في السوق السوداء، وسيواجه المصرف المركزي تحديات كبيرة للمحافظة على قيمة الدينار الليبي.

وهذا يعني أن الظروف المالية والنقدية خلال عام 2024 ستكون الأسوأ بالمقارنة بالسنة السابقة، إذا استمرت وتيرة إدارة المال العام على ماهي عليه، واستمر الانقسام السياسي، باعتبار أن التوسع في الإنفاق العام يعني زيادة مؤكدة في الطلب على النقد الأجنبي، الذي يتجه معظمه لتمويل أغراض استهلاكية، ومن تم تزايد الضغوط على سعر الصرف وتفاقم العجز في ميزان المدفوعات، ناهيك عن الآثار التضخمية لهذه المعطيات.

وأمام هذه الأوضاع المتوقعة خلال عام 2024 فإنه للخروج من دائرة الأزمات المفزعة التي يدور فيها الاقتصاد الوطني، على المدى القصير، وتفاديا للتفكير في تخفيض سعر صرف الدينار الليبي  بهدف المحافظة على الاحتياطيات، ليس هناك من خيار أمام السلطات المالية والنقدية إلا تبني وتطبيق ما يعرف بالكبح  المالي ( Targeted austerity ) والتشديد النقدي( Deliberative tightening ) ، وهما سياستان مالية ونقدية تهدفان إلى ضبط المالية العامة وإعادة النظر في بنود الإنفاق والإيراد العام، من جهة، والحد من التضخم بالتحكم في عرض النقود، من جهة أخرى، وصولا إلى التثبيت، فضلاً عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد من الفساد ومقاومته. وعلى المدى الطويل لا خيار أمام السلطات المعنية إلا إعادة هيكلة الاقتصاد الليبي برمته (  Economic Restructuring ) لتنويع مصدر الدخل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى