اخبارالرئيسيةعيون

تضارب الإيرادات النفطية… غياب الشفافية عن أموال الدولة الليبية

العربي الجديد-

يكشف تحقيق “العربي الجديد” الاستقصائي عن تضارب بيانات الإيرادات النفطية التي تشكل 95% من دخل الدولة الليبية. وبالرغم من ذلك، فإن إدارتها لم تتسم بالشفافية وتفعيل الدور الرقابي المتطلب في التعامل مع المال العام.

– يحذر المدير السابق للمصرف التجاري الوطني الليبي سعيد رشوان، من خطورة تضارب بيانات الإيرادات النفطية بين مؤسسات الدولة، لما له من تداعيات على الموازنة العامة، في ظل ضعف الأجهزة الرقابية واستهداف المال العام، فضلاً عن تأخر إقفال الحساب الختامي منذ عام 2008 وتصاعد الأمر نتيجة عدم الاستقرار السياسي منذ عام 2011، وما تلاه من انقسام سياسي من عام 2015.

ويوثق تحقيق “العربي الجديد” تضارباً في بيانات الإيرادات النفطية بين المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي ووزارة المالية، عبر مقارنة بيانات تلك الجهات وتقارير ديوان المحاسبة الليبي (الجهاز الأعلى للرقابة المالية)، إذ بلغت الإيرادات النفطية 13 مليار دولار في عام 2017 أو 18.2 مليار دينار، وفق ما أعلنته المؤسسة الوطنية للنفط في عام 2018، فيما أوردت النشرة الاقتصادية الصادرة عن مصرف ليبيا المركزي للربع الرابع من عام 2017، أن إيرادات ذات الفترة بلغت 19.209 مليار دينار ليبي أو 13 ملياراً و720 مليون دولار أميركي، وفق سعر صرف الدولار حينها المقدر بـ 1.4 دينار، أي بزيادة قدرها 720 مليون دولار.

وبالعودة إلى تقرير ديوان المحاسبة عن عام 2017، يتضح أن “الإيرادات النفطية قُدِّرت بميزانية الترتيبات المالية 2017، بقيمة 21.7 مليار دينار، في حين أن المحققة خلال ذات الفترة 19.2 مليار دينار، بعجز 2.5 مليار دينار، وبنسبة تحصيل لم تتجاوز 89%، رغم ارتفاع أسعار النفط الخام في السوق العالمي خلال النصف الثاني من عام 2017، إذ سجل متوسط السعر مبلغ 67.50 دولاراً للبرميل، بعد أن كانت أسعاره تراوح بين 47 و55 دولاراً”.

كبيرة في الأرقام

بلغت الإيرادات النفطية المودعة لدى مصرف ليبيا المركزي خلال الفترة من 1 يناير حتى 31 أكتوبر 2020، خمسة مليارات و271 مليون دينار ليبي (3.765 مليارات دولار وفق سعر المصرف المركزي وقتها)، بحسب الموقع الرسمي للمؤسسة الوطنية للنفط.

لكن مصرف ليبيا المركزي أكد في رسالة حصل عليها “العربي الجديد”، تحمل رقم 1208/2 موجهة إلى المؤسسة الوطنية للنفط في 24 نوفمبر 2020، أن “تلك الإيرادات تشمل مبلغ 2.871 مليار دينار عن صادرات 2019 وُردت في عام 2020”.

بينما يوثق “العربي الجديد” من خلال تقرير ديوان المحاسبة لعام 2020، أن “إجمالي ما حُصِّل من إيرادات مبيعات المؤسسة الوطنية للنفط الخارجية من النفط الخام والغاز والمكثفات والبتروكيماويات خلال سنة 2020 مبلغ قدره 5 مليارات و527 مليوناً و708 آلاف و679 دولاراً. وما وُرِّد منها إلى حساب الإيراد السيادي لدى المصرف الليبي الخارجي 3 مليارات و422 مليوناً و969 ألفاً و286 دولاراً، متضمناً مبلغاً قدره مليار و588 مليوناً و339 ألفاً و077 دولاراً تمثل تحصيلات فواتير سنة 2019، وحسب البيانات الواردة من إدارة حسابات التسويق، فإن إجمالي الإيرادات المحتفظ بها في حسابات المؤسسة ولم تحول إلى الحساب السيادي 2 مليار و095 مليوناً و061 ألفاً و440 دولاراً”.

ويكمل المصرف في رسالته أنه تعامل مع ما يرد إليه من بيانات المؤسسة الوطنية للنفط خلال السنوات الماضية على افتراض صحتها، التي تأكد لاحقاً أنها غير صحيحة ولا تحقق مطابقة فعلية لشحنات النفط والغاز المصدرة مع ما يورد للخزانة العامة من عائد، بالمخالفة لمقتضى الشفافية والإفصاح. ولا صحة لما ادعاه بيان المؤسسة من المغالطة والتضليل، إذ يلتزم مصرف ليبيا المركزي مبادئ الشفافية والإفصاح والمسؤولية والمحاسبة عن كل ما يصدر عنه.

لماذا يقع التضارب في البيانات؟

تكشف مراجعة بيانات المؤسسة الوطنية للنفط، أن الإيرادات المحصلة منذ بداية يناير وحتى ديسمبر 2021 بلغت 21.608 مليار دولار أميركي، بينما تقول بيانات إدارة الخزانة بوزارة المالية إن المبالغ المحصلة فعلاً والمودعة في حساباتها لذات الفترة، 22.883 مليار دولار، ويتمثل الفارق في مبيعات تخص سنة 2020 أودعت في حسابات الوزارة خلال سنة 2021، ورغم ذلك إلا أن الإيرادات الحقيقية تفوق هذا الرقم، إذ تبين أن المؤسسة الوطنية للنفط، قايضت النفط الخام المنتج بمحروقات (خارج الموازنة العامة دون الإفصاح عن ذلك لوزارة المالية) بلغت خلال عام 2021، ما قيمته 3 مليارات و654 مليوناً و520 ألفاً و517 دولاراً، بالمخالفة للقانون المالي للدولة وبشكل يظهر موارد الدولة ونفقاتها على غير حقيقتها”، وفق تقرير ديوان المحاسبة الصادر عام 2021.

ويفسر الأكاديمي الليبي سليمان الشحومي، أستاذ التمويل بجامعة نوتنغهام Nottingham البريطانية، تضارب بيانات الموارد النفطية بين مؤسسة النفط ومصرف ليبيا المركزي، بعدم المطابقة الدورية لحسابات الإيرادات المالية العامة بين وزارة المالية ومؤسسة النفط، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “دائماً هناك فرق بين عمليتي التصدير من جهة وتحصيل الإيرادات وتوريدها عبر الحسابات المصرفية من جهة أخرى”، مؤكداً عدم انتظام عملية تحويل الإيرادات إلى حسابات المالية العامة لدى مصرف ليبيا المركزي.

و”يؤكد ما سبق ضعف إدارة المالية العامة في الدولة الليبية”، كما يقول الشحومي، مؤكداً أهمية خلق منظومة فورية للمطابقة بين أطراف العملية جميعاً.

احتجاز أموال مبيعات النفط

تودع المؤسسة الوطنية للنفط، الإيرادات في حسابها الجاري لدى المصرف الليبي الخارجي (يمتلكه البنك المركزي الليبي) رقم 28808، وفق ما يوضحه الدكتور عبد السلام نصية، عضو اللجنة المالية في مجلس النواب (مستقل) وعضو البرلمان العربي، الذي يقول لـ”العربي الجديد”: “بعد 48 ساعة من إيداع مؤسسة النفط للإيرادات المحصلة من مبيعات النفط في حسابها بالمصرف الليبي الخارجي يفترض أن يحولها إلى مصرف ليبيا المركزي بالعملة المحلية”.

لكن “أعمال مراجعة وتدقيق مصرف ليبيا المركزي بينت عدم توريد المؤسسة الوطنية للنفط منذ سنوات 3.2 مليارات دولار من إيرادات النفط للخزانة العامة، بالمخالفة للتشريعات النافذة”، وفق رسالة تحمل رقم 1208/2، موجهة من مصرف ليبيا المركزي إلى المؤسسة الوطنية للنفط في 24 نوفمبر 2020، والتي أوضحت أن “عائدات الدولة من النفط والغاز تمثل إيرادات سيادية ملك للدولة الليبية ولا يحق لأي مؤسسة من مؤسسات الدولة التصرف فيها أو الحجب أو غير ذلك بالمخالفة للقانون”.

ويرد مصطفى صنع الله، الرئيس السابق للمؤسسة الوطنية للنفط، على ما سبق، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “تمّ هذا الإجراء للحفاظ على الأموال وعدم إهدارها، في ظل عدم وجود شفافية بمصرف ليبيا المركزي”، ويضيف أن مؤسسة النفط احتجزت الإيرادات النفطية في حسابها بالمصرف الليبي الخارجي فقط دون التصرف في الأموال.

تراخي في جباية الضرائب 

“بلغ إجمالي فواتير مبيعات النفط الخام والغاز ومنتجات البتروكيماويات غير المحصلة مبلغ 2 مليار و789 مليوناً و313 ألفاً و363 دولاراً عن السنوات من 2010 حتى 2021، كذلك فإن الفواتير غير المحصلة في مرحلة ما قبل عام 2010 تقدَّر بمليار و 320 مليوناً و574 ألف دولار، الأمر الذي يجعلها في قوائم المشكوك في تحصيلها، مع العلم أن هذه الفواتير محملة على أكثر من عشرين شركة”، وفق تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2021.

وتؤكد 3 مصادر من إدارتي العمليات المصرفية والمراجعة بمصرف ليبيا المركزي (فضلوا عدم ذكر أسمائهم لأنهم غير مخولين بالحديث للإعلام) تأخر المؤسسة الوطنية للنفط في تحصيل الضرائب (تُفرَض على الشريك الأجنبي)، ومدفوعات حق الملكية Royalty payment في عقود تقاسم الإنتاج PSA مع الشركات الأجنبية) النفطية منذ عام 2015 حتى نوفمبر 2020، إثر الانقسام السياسي الحاصل بالبلاد، فضلاً عن عدم دقة البيانات المالية.

ما سبق تؤكده مذكرة (رقم 6911 – 19) موجهة من رئاسة ديوان المحاسبة إلى رئيس مجلس الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق عمر الكبير، في 30 ديسمبر 2021، بأن “التصرفات غير القانونية التي ترتب عنها التفريط في أموال الدولة وإيقاع الضرر عليها، وقعت نتيجة امتناع المؤسسة الوطنية للنفط بناءً على تعليمات رئيسها عن تحصيل الضرائب والإتاوات والرسوم المقررة على الشركات الأجنبية اعتباراً من شهر أكتوبر 2020”.

وتقر وزارة النفط والغاز التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، في بيان صادر عنها في 21 فبراير/ شباط 2023، بتأخر المؤسسة الوطنية للنفط بتحصيل الضرائب، ويوضح البيان أن “الوزارة راسلت رئيس مؤسسة النفط (فرحات بن قدارة) في 19 ديسمبر 2022، بتوريد مبالغ مالية عبارة عن ضرائب وإتاوات للخزانة العامة، وبعد تذكيره مرتين: الأولى في 1 يناير الماضي، والثانية في فبراير الماضي، وردت مؤسسة النفط للخزانة العامة في 20 فبراير الماضي ملياراً و682 مليوناً و911 ألفاً و588 دولاراً، يمثل هذا المبلغ عن الفترة من مارس 2018 حتى نوفمبر 2019، احتُفِظ به طوال هذه الفترة في حساب مؤسسة النفط، دون سند قانوني. كذلك وردت مؤسسة النفط للخزانة العامة 10 مليارات و900 مليون دينار، احتُفِظ بها عند شركات أجنبية لأكثر من 16 شهراً، دون سند قانوني، ولا يُعرف للآن ما إذا استفادت دولة ليبيا من أرباح هذه المبالغ، رغم الطلب من المؤسسة الوطنية للنفط توضيح ذلك”.

ويؤكد المستشار بوزارة المالية التابعة لحكومة الوفاق السابقة، الدكتور عز الدين المبروك، لـ”العربي الجديد” أن “إيرادات الضرائب والإتاوات تتأخر في التحصيل لفترات طويلة، ويجب أن تتسلم مؤسسة النفط قيمة الإتاوات والضرائب من شركات عقود الامتياز وتلك المشاركة في الإنتاج، مضيفا أن حصة الدولة في ملكية الامتيازات الممنوحة داخل الدولة تتجاوز 50% شهريا، ولا بد من إيداعها في حسابات وزارة المالية بمصرف ليبيا المركزي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى