الرئيسيةالرايرياضةفي الذاكرة

رياضة- المدينة.. الرقم الصعب في الكرة الليبية.. بقلم مصطفى القعود

رياضة- المدينة.. الرقم الصعب في الكرة الليبية.. بقلم مصطفى القعود

 

*كتب/ مصطفى القعود

كان حبي لنادي المدينة مصادفة جميلة حدثت في الصغر ليستقر بعدها في القلب ولم يبرحه، وقد ذكرت القصة الكاملة لذلك في مقالٍ سابق فلا أريد التكرار، ولا أعتقد أن أي عاشق لكرة القدم الليبية لا يحمل بعض الاعتراف بعراقة وأصالة نادي المدينة وخاصةً فيما أنجزه في اللعبة الشعبية الأولى، وكرد لجميل هذه القلعة فيما منحته لسنوات المتعة والذكريات الخالدة والنجوم التي دونتها في السجل الذهبي للكرة الليبية وجب أن أكتب هذا المقال .
نادي المدينة وفقا للمصادر والتي أهمها على الأطلاق كتاب (خمسينية المدينة 1953 – 2003) للأستاذين المهدي احفيظة وعزالدين جرناز تأسس بفكرة خطرت ببال السيد/ مختار دورار عام 1952 الذي طرح فكرته على أخيه محمد دورار وبعض الأصدقاء هم/ ميلاد المسلاتي وعبدالله حدود وسالم المساكني ومحمد الباشا وأبوبكر فريح ومحمد العائب خلال جلسة جمعتهم بفندق الزهر بطرابلس ثم بعد أن أقنعوا مجموعة من شباب المدينة القديمة عرضوا أمرهم على شيخ المحلة (آنذاك) السيد مصطفى بن موسى الذي قام بسداد رسوم الانتساب للهيئة الرياضية المسؤولة وقام أيضا بتخصيص مكتبه الصغير ليكون مقرا للنادي وقد تم إشهار النادي رسميا تحت اسم (نادي المدينة القديمة) بتاريخ 1953/10/29 واختاروا شعارا يحتوي قوس ماركوس أوريليوس لأنه أقدم أثر تاريخي بالمدينة القديمة، أما اختيار لون الغلالة فكان غير متفق عليه وهذا تصحيح لمن أعتقد أن الاختيار كان تشبها بنادي اليوفنتوس الإيطالي حيث لم يجد الشباب إلا غلالة واحدة متكاملة تحمل اللونين الأبيض والأسود في أحد المحلات التجارية .
اشترك أول فريق لكرة القدم للنادي في بطولة طرابلس للدرجة الثانية وفاز في أول مباراة له ضد فريق الكشاف بتاريخ 1953/12/27، و ضمت أول تشكيلة كل من/ محمود الفزاني ومختار دورار ومحمد دورار ومحمد الفقي وميلاد المسلاتي ومحمد مختار الباشا وأبوبكر الحمال ومحمد الجزيري وعبدالله حدود وأبوبكر عريبي وعطية أحمد والبهلول فتح الله وبعد هذا التاريخ وهذه المباراة أنطلق قطار المدينة مستقرا على قضبانه لا يلتفت إلى الوراء  ولا يتوقف رغم بعض العوائق والحواجز والمطبات، ولأنني لست في محل السرد التاريخي التفصيلي سأسلط الضوء على محطات جميلة لم أعاصرها وعاصرت بعضها في مسيرة المدينة والشيء الأقرب لذاكرتي فوز المدينة بدرع الدوري لموسم 1976/1975 بعد أن وصل الفريق إلى المباراة النهائية بمجهود سخي من الإدارة والمدرب واللاعبين فعندما تتمكن من إخراج الأهلي بطرابلس من المنافسة بهدف نوري السري في لقاء تحديد بطل منطقة طرابلس وتفوز على الاتحاد العميد ذهابا وإيابا ثم تنتزع اللقب انتزاعا من براثن الأهلي ببنغازي بهدفي البكوش وأبوديب في مباراة شهيرة في ملعب طرابلس الدولي وبإصابة نجم الفريق السري وحضور ملك الكرة بيليه فكل ذلك يعني الفخر والاعتزاز وهو أول بطولة في الدوري الممتاز تسجل باسم النادي و كانت فاتحة خير عليه، ففي عام 1977 تحصل على الكأس بعد فوزه على نادي الهلال في مباراة أقيمت بملعب درنة وسجل هدف المباراة حسن النيجيري وقبل هذه المباراة فاز الفريق على فريق الأهلي الطرابلسي بنتيجة عريضة هي 3- 0 من ضمنها هدف السري الشهير من ركلة جزاء أرتمى فيها الحارس خليفة أبونوارة أقصى يمين المرمى بينما الكرة كانت تلج الشباك عن يساره وقد اشتهرت هذه الركلة كثيرا في ذلك الزمن لعدة أسباب أبرزها أن فريق المدينة رجع من القاهرة بهزيمة ثقيلة جدا بسبعة أهداف لهدفين فقام بقسمتها على الاتحاد في الدوري بأربعة وعلى الأهلي بثلاثة في الكأس، إضافة إلى أن طريقة تنفيذ ركلة الجزاء كانت بشكل غير مألوف للمتفرج الليبي حيث يقولون عن ذلك أن السري (ميّح) أبونوارة وأيضا أن تصوير الهدف ونشره في الصحف أضاف إليه الكثير من الأعجاب والانبهار والشماتة من بعضهم!!.

تراوحت مشاركات فريق كرة القدم بين السلبي والإيجابي لكنه لم يرضي أحباء النادي في طرابلس وليبيا بصفة عامة فتناقص عدد جمهوره مقابل تزايدهم بشكل لافت عند منافسيه اللدودين العميد والزعيم، فالبطولات هي التي تجلب المشجعين وإن جفت منابعك فأبحث عن مصادر تضمن لك الحياة لبرهة من الزمن أو كل العمر، ومع بروز ألعاب أخرى ككرة السلة والدراجات وغيرها وحصولها على البطولات غابت بطولات كرة القدم وأغلقت خزائنها في مقر النادي ولكي لا أكون متجنيا على النادي فإن فترة توقف النشاط بحجة تطبيق برامج الرياضة الجماهيرية في سنواتها العجاف منذ عام 1979 حتى بدايات عام 1982 كانت لها الأثر السيئ خاصة وأن فريق المدينة في كرة القدم كان في اوج عطائه ، ثم أتى الفرح على يد المدرب القدير فرحات سالم الذي لم يأخذ حقه إعلاميا ربما لعدم سعيه وراء الشهرة والأضواء وترك الساحة للمدعين ، ففي الموسم الكروي 1983/1982 راهن الجميع على فريق الأهلي بطرابلس بقيادة القيصر الهاشمي البهلول كمدرب للفوز ببطولة الدوري بكل سهولة ويسر وكيف لا وهو أكتسح الجميع بمن فيهم فريق النصر بسداسية شهيرة كان الجميع مقتنعا بذلك فالأرقام لاتكذب، إلا أن شخصا اسمه فرحات الذي شكل كتيبة من النجوم ترأسها كالعادة السري ثم ساسي العجيلي والمغربي والرابطي ومحمد إسماعيل وأبومنجل وناصر بالحاج والخضار وقشوط وعبدالحفيظ اربيش والحدادية والعكرمي.. وغيرهم
وانتهت المباراة بمفاجأة من العيار الثقيل بحصول المدينة على كأس البطولة بإدارة فنية ناجحة من مدرب الفريق الذي أغلق المنافذ أمام اندفاع الأهلي واعتمد الهجمات المرتدة سلاحا له ونجح بهدف الحدادية وهدف قاتل للخضار، شبه البعض تلك المباراة بفوز المنتخب الإيطالي بكأس العالم 1982 بعد أن هزم البرازيل وسحرتها ثم ألمانيا بعنفوانها ولا يهم الأمر فالتاريخ سيسجل الكؤوس والبطولات لا اللعب الجميل أو الفرص الضائعة.

وكأن القدر كتب للمدينة أن لايسلمها كؤوس بطولتين من بطولاتها الثلاثة إلا أسطورتان لم يجد التاريخ بمثلهما حتى هذه اللحظة على الأقل، فبعد الملك بيليه حضر الأسطورة مارادونا كي يسلم كأس الدوري لموسم 2001/2000 بعد أن تغلب على فريق التحدي بركلات الترجيح، وتلك هي البطولة الثالثة والأخيرة لفريق المدينة لكرة القدم .

ولكن لابد أن يكون لفريق المدينة دور كبير في تحديد البطل حتى وإن كان في أسوأ حالاته فهو الرقم الصعب في الكرة الليبية وكم من مراهنات تكسرت عند أقدام لاعبيه منذ الخمسي والخنشي وأبورقيقة والسوكني والكعامي ونديم وميلود عريبي وديمس الكبير وهنكة والجفائري وميزران والمبروك فنقة وأبوديب والزياني والرايس ومسعود الرابطي ونوري السري وعبدالوهاب الشبل ومصطفى بالحاج وبديدة ويونس قشوط وفتحي البكوش مرورا بناصر بالحاج  والنيجيري وأبوبكر دوزان 77 وساسي العجيلي ومحمد إسماعيل والعكرمي والحدادية والخضار واربيش وصبري سويسي وخالد العايب وأبوبكر كريمة وعادل الهادي والصافي أبوبكر والحبيب البوسيفي والغابري وفوزي دوزان وانتهاء بمفتاح غزالة وخالد زكري وسالم الرواني ومنير المبروك وعماد الخافي وأحمد شلبي ومعاذ عبود وأنيس زغب وأسامة السنوسي.. وغيرهم ممن استقروا بالفريق أو انتقلوا لفرق أخرى وقد أرتدى بعض من ذكرت أو لم أذكر غلالة المنتخب الوطني منذ عام 1953 وحتى تاريخه برز منهم على وجه الخصوص الرأس الذهبي نوري السري والظهير الطائر ساسي العجيلي والقناص ناصر بالحاج، ولولا الظروف التي مرت بها كرة القدم الليبية لظهر غيرهم، ولكن التوقفات والدكتاتورية وإلغاء النجومية والقمع والتخبط الإداري وعدم الاستقرار حالت دون ذلك، يبقى أن نقول بأن فريق كرة القدم في نادي المدينة هو الوحيد الذي لم يهبط إلى الدرجة الأدنى في ليبيا وتميز عن غيره بالاعتماد على الكرة الطويلة والتكوين البدني الهائل للاعبيه وتجاوزه لفرق كبيرة ولولا تساهله وتهاونه وتراخيه في مباريات كثيرة مع فرق متواضعة المستوى لامتلأت خزائن النادي بالكؤوس والألقاب، وأخيرا وهو المهم أن نادي المدينة عبر تاريخه المشرق تمكن من انتزاع الاحترام والتقدير باكتساح واقتدار.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى