الراي

رأي- لا تنتظروا من أمريكا الكثير

مدير وكالة الأمن القومي الأسبق: “في ظل ترامب تم تهميش دور المؤسسات بشكل مفزع”

 

* كتب/ محمد أبوفلغة

 

بعد كل حدث وكل أزمة في شمال افريقيا والشرق الأوسط، يصوب الجميع أنظارهم تجاه الولايات المتحدة الأمريكية في انتظار رد فعل من “شرطي العالم”.

ليبيا، بطبيعة الحال ليست استثناء؛ لذلك يترقب المتابعون الموقف الأمريكي عسى أن يأتي محملا بالحلول التي عجز عن إيجادها أصحاب المشكلة أنفسهم.

 

خلال الأشهر الثلاث الماضية، بدا الموقف الأمريكي تجاه الحرب الدائرة حول طرابلس متذبذبا للمتابعين. فمن مكالمة ترامب الهاتفية مع خليفة حفتر، إلى تحركات أعضاء الكونغرس وتصريحاتهم، وصولا إلى الاعتراض على، ثم تمرير، قرار مجلس الأمن بشأن إدانة الهجوم على مركز احتجاز اللاجئين، لا يمكن جمع كل هذه المواقف لبلورة موقف واحد متحد من الإدارة الأمريكية تجاه الأزمة الليبية.

ضبابية وتذبذب الموقف الأمريكي يعزى بشكل رئيسي إلى الأوضاع السياسية الداخلية في أمريكا، والانقسام الحاد الذي تظهر تبعاته على السياسة الخارجية لإدارة الرئيس ترامب. يجدر التنويه هنا إلى أن الانقسام السياسي موجود في الولايات المتحدة منذ إعلان استقلالها، غير أنه يختفي تماما عندما يتعلق الأمر بمسألة تمس الأمن القومي الأمريكي بشكل مباشر، على سبيل المثال دعم الكونغرس لحربي افغانستان والعراق رغم ما صاحب انتخاب جورج بوش وإدارته من استقطاب. ولكن الأزمة الليبية لا تمثل تهديدا صريحا لأمن أمريكا القومي، لذلك نرى تباين مواقف البيت الأبيض والكونغرس.

 

بالعودة إلى ليبيا، منذ البداية، لحسن حظ هذا البلد أو لسوئه، قامت ثورة فبراير في وجود إدارة ديمقراطية، ورثت عن بوش من الأزمات ما أثقل كاهلها، فاختارت التدخل المحدود في المسألة الليبية.

تعكس محدودية تدخل أوباما وجهة النظر الشعبية في أمريكا التي كانت تطالب بالتوقف عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

وجهة النظر هذه أتت كرد فعل على حربي العراق وأفغانستان، اللتين استنزفتا الخزينة الأمريكية. الهجوم على القنصلية في سبتمبر 2012 أقنع إدارة اوباما بضرورة رفع يدها عن ليبيا. لذلك لم تتخذ الحكومة الأمريكية أية قرارات كبرى تجاه ليبيا، فيما عدا المشاركة في الحرب على تنظيم الدولة في 2016.

 

مع وصول ترامب إلى سدة الحكم، تغير في أمريكا الكثير من المفاهيم، وتأثرت عملية صنع القرار بشكل كبير. في معرض حديث عن ليبيا مع الأميرال بوبي انمان، رجل الاستخبارات الأمريكية العتيد ومدير وكالة الأمن القومي الأسبق، خلال شهر مايو الماضي، قال لي: “لقد اعتدت واعتاد الجميع على وجود بروتوكول معين ومؤسسات رصينة يتم من خلالها اتخاذ القرار في كل ما يتعلق بالأمن القومي وبالسياسة الخارجية؛ في ظل ترامب تم تهميش دور هذه المؤسسات بشكل مفزع”. ولعل في هذا القول تفسير للمواقف الأمريكية المتناقضة تجاه القضية الليبية.

 

بات من المعروف اليوم أن الرئيس دونالد ترامب لا يشبه سابقيه في شيء، من الناحية السياسية على الأقل. ذلك أن تصرفات ومواقفه لا تتسم بالرصان، ولا يبدو أنها صادرة نتاج حسابات سياسية دقيقة، كتلك التي اعتدناها من المسؤولين الأمريكان. فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، يتبين للمتابع أن لترامب أولوياته الواضحة. يتم تحديد هذه الأولويات بطبيعة الحال بناء على إيديولوجية الدائرة المحيطة به، وبناء على ما يحفز قاعدته الشعبية. أولويات ترامب في السياسة الخارجية تمس علاقة أمريكا الاقتصادية بالصين، البرنامج النووي الكوري، وبدرجة أقل تأتي إيران بعد ذلك.

خلال عامين ونصف من حكمه، لم يبد ترامب أي اهتمام حقيقي أو تركيز على المسألة الليبية. لهذا السبب، لا أتوقع أن يتخذ ترامب أي موقف قوي إزاء ليبيا، وقد يترك الأمر لوزارة الخارجية المنشغلة هي الأخرى بقضايا أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة.

باختصار، ليبيا لم تعد أولوية بالنسبة لأمريكا فلا تنتظروا منها الكثير.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى