الرئيسيةالراي

رأي- تنهيدة: بين “بن سلمان” و”حفتر”

* كتب/ إبراهيم قرادة،

التداعيات السياسية لحكم محاكمة أمريكية بإدانة المشير حفتر.

لن أدخل في الجدل القانوني حول حكم المحكمة فرجينيا الفيدرالية الأمريكية في الدعوى التي رفعها التحالف الليبي الأمريكي بمساعدة منظمة التضامن لحقوق الإنسان بتحميل المسؤولية للمشير حفتر عن حوادث اعتداء على أرواح وحياة ضحايا، في ماهية معنى الحكم المدني والجنائي أو الحكم بالحضور أو غيابيًا؛ مع اعتبار أن قضية أهالي الضحايا هي جزء صغير عددي ونوعي مقارنة بالمنتشر.

ولكنني- موضوعيًا- سأركز على تساؤلات عن التداعيات السياسية الوطنية والدولية، بالقياس على قضية مقتل الصحافي السعودي “جمال خاشقجي” في تركيا، وهو حامل إقامة فقط في الولايات المتحدة الأمريكية وكاتب في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية. والتي قامت السعودية بمحاكمة مواطنيها المتورطين بالخصوص وإعفاء بن سلمان من المسؤولية.

قضية جمال خاشقجي أثرت شديدًا في موقف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والعلاقات الأمريكية السعودية التي تدهورت، ولدرجة ميل السعودية عن الموقف الأمريكي في حرب الغزو الروسي لأوكرانيا، وجهد الرئيس الأمريكي بايدن لإدانة والابتعاد عن بن سلمان، ولكن أزمة الطاقة الخانقة اضطرت بايدن أن يدوس على نفسه ويزور السعودية ويلتقي بابن سلمان، مع تأجيل مسألة منح الحصانة الدبلوماسية لابن سلمان من العدل الأمريكية، في ظل وجود قضية مرفوعة ضد بن سلمان في أمريكا ودول أخرى.

بعد هذا التمهيد.

هذا الحكم انتصار للعدالة ونصر للضحايا، وليس بالضرورة كسب لبعض الأطراف السياسية.

إدانة المشير حفتر أمام محكمة فيدرالية أمريكية، بصفته مواطن أمريكي، على جرائم وجنايات ضد الإنسانية وقعت في دولة أخرى (ليبيا)؛ تبرز بعض الأسئلة السياسية:

– هل يفتح هذا الحكم الباب لقضايا أخرى على المشير حفتر، وغيره؟

– فهل هذا الحكم سيقيد الخارجية والدبلوماسية والكونغرس الأمريكي من التعامل والقبول بالمشير حفتر كطرف سياسي؟

– وبالمثل، كيف ستتلقى وتتعامل الدول الأخرى مع هذا الحكم، وبالأخص الدول الحليفة له؟

– هل وما هي الأطراف المحلية والإقليمية والدولية التي ستستغل هذا التطور للابتزاز السياسي وفرض تنازلات وتحصيل مكاسب؟

– هل هذا الحكم يقود لمحكمة الجنايات الدولية؟ وهل نوعية هذا الحكم يحول إلى الإنتربول (الشرطة الدولية)؟

– كيف سيؤثر هذا الحكم على تفاعل بعض الكيانات والسياسيين الليبيين في علاقاتهم واتفاقهم/اختلافهم مع المشير حفتر؟- ومن هؤلاء رئاسة البرلمان والدولة والحكومة والحكومة المعينة وقيادة الجيش والبرلمانيين المحسوبين عليه، وعلى التفاهمات السرية إن وجدت…

– هل سيؤثر هذا الحكم على مواصلة تقلد المشير حفتر لوظيفة القائد العام؟ وهل سيفكر بعض شركائه في عزله؟

– هل يصدر مجلس النواب قانون حصانة وتحصين لصالح المشير حفتر (بأثر رجعي)؟ (حاول الجنرال بينوشيه/تشيلي ذلك، وحماه ذلك لفترة ليحاكم وعمره يتجاوز 85 سنة)

-ما هو تأثير هذا الحكم في عقد الانتخابات؟ وهل يدفع هذا الحكم في تأجيل لمواصلة حالة الانقسام الفوضوي لتثبيت الوضع الراهن؟

– ما هو تأثير هذا الحكم في فرص مواصلة ترشح المشير للانتخابات الرئاسية؟ وهل منصب رئيس الدولة يمنح الحصانة مما يدفع المشير حفتر للإصرار على الانتخابات الرئاسية؟

– أم هل هذا الحكم يدفع لانتخابات برلمانية فقط؟

او هل إطالة فوضى الوضع الراهن خيار؟

– هل سترفع قضايا ضد أشخاص آخرين مشاركين ومتورطين في هذه القضايا او غيرها؟

– هل وما مدى إمكانية انً تتم تسوية (صفقة) إسوة بالتعويضات المالية لغلق قضية لوكربي وUTA  والتي ساهمت دول خليجية في إبرامها وضمانها؟( مع التذكير أن تسويات ودفع نظام القذافي التعويضات الخارجية والداخلية لم تنفعه لإنكاره ومماطلته فتأخره!)

– هل يقوم المشير حفتر بالتصعيد بالحشد الشعبي وتسخين الأزمة نحو حرب جديدة، في ظل التوتر المشحون في طرابلس ومحيطها حول الصراع بين حكومة السيد الدبيبة الحالية وحكومة باشاغا الساعية؟ ام هل أن هذا الحكم يقيده ويلجم قدراته؟

–  من هي الأطراف الأخرى المستفيدة أو المتضررة، وكيف ستتفاعل؟

– إلى متى ستبقى هذه المسألة في الفريز (التجميد) السياسي، لأنه كما معلوم أن بعض القضايا القانونية السياسية تبقى لسنوات في حالة تجميد لحين إبرازها كسيف مسلط؟ (كمثال الرئيس التشادي الأسبق حسين حبري أدانته محكمة إفريقية خاصة بعد 26 سنة من مغادرة السلطة وتوفى في السجن؛. وقبل أسبوعين حكمت محكمة ألمانية بسجن حارس سجن نازي يبلغ عمره 101 سنة عن اشتراك في جرائم قبل 75 عامًا).

– كيف سيؤثر هذا الحكم من محكمة أجنبية على القضايا المرفوعة محليًا؟

– هل تستعد وكيف ستتعامل الخارجية الليبية قانونيًا وسياسيًا إذا تطورت القضية قانونيًا أو سياسيًا إلى أمر قضائي بالتسليم لمواطن ليبي/أمريكي- لو بعد حين؟

هذه أسئلة موضوعية تتضمن جزءا من إجاباتها واحتمالاتها وسيناريوهات.

التفكير فالتفاعل -وليس الانفعالي- السياسي التاريخي والوطني للمشير حفتر محدد مهم لمستقبله ومستقبل أسرته ووطنه؛ وتحضر أمامنا مآلات الانفعال السياسي على مصير قادة دول لم يكونوا واقعيين فقضوا على أنفسهم وأضروا بأسرهم وخربوا أوطانهم بخطب جوفاء صفق لها منافقون كانوا أول الطاعنين والمغادرين. فالضحايا المظلومون وسيرورة التاريخ تقول بأن الحق ينتصر وإنه يعلو ولا يعلى عليه.

التناول الموضوعي مفيد وطنيًا ولكل الأطراف، ولن ينفع الإنكار والضجيج والـ”طز”، التي دفعت ليبيا والنظام السابق ثمنها غاليًا، لا زالت ضريبته قاسية.

وختامًا لنستحضر؛ درس تجربة لوكربي المريرة، والتي استغرقت قرابة 15 سنة، وضحيتها الأكبر كانوا الليبيين وليبيا، بعد جلاء غبار العنتريات عن سنوات حصار عجاف انتهت بالإذلال السياسي، خسر فيها الشعب وركع فيها النظام وأهينت فيها ليبيا معنويًا وماديًا وتاريخيًا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى