الرئيسيةالراي

رأي- تخاصم أهل النار

* كتب/ هشام الشلوي،

اعتدنا في كل مناسبة دينية لنا أو لغيرنا أن نتجادل جدالا مرا لا يورث إلا مرارة في الحلق، ولا يشبه إلا تخاصم أهل النار، من مثل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وأكل العصيدة أو أكل السليقة في عاشوراء، أو تهنئة المسحيين في أعياد الميلاد.

الصورة النمطية في مثل هذه المناسبات، هي أن أحد الفريقين يدعي العودة إلى الأصول، والتمسك بنوع معين من الفتاوى، بينما الفريق الآخر يحرص على الظهور في شكل متسامح مع كل شاردة وواردة.

وكل عام ومع كل مناسبة نغوص جميعا في وحل تسطيح القضايا الثقافية، بعيدا عن سبر غور أسس المشاكل الحقيقية التي تحيط بنا كإحاطة السوار بالمعصم.

وبالتالي تنتقل القضايا الحيوية التي تمس وجودنا من مركز تفكيرنا إلى مناطق اللاشعور غير المحسوسة، حيث تتحول إلى مجرد أحلام ننساها عند اليقظة.

إذ أن قضايا ملحة وعاجلة من مثل الاستبداد والحريات السياسية وعدالة التوزيع وشبكات الأمان الاجتماعية ينتهي بها المطاف إلى زاويا بعيدة تماما عن بؤرة تفكيرنا.

تراجعت الأمة الإسلامية عن قيمها الأصيلة في الحكم والسياسة عندما تخلت عن قيم الحكم التي جاء بها الإسلام ونزلت على أرض الواقع طيلة أربعة عقود، أي أن تلك القيم لم تكن مجرد مدينة فاضلة وحلم صيفي شكسبيري.

الغوص في وحل القضايا السطحية، سيحملنا إلى قضايا أخرى أعمق منها سطحية، في دورات متتالية من العبث غير المحدود أو المفهوم. وهذه القضايا لن تحل أعمق الأزمات التي تواجه مصيرنا، بل ستتركنا في فضاء غير منتظم، إذ لا غالب ولا مغلوب، بل الجميع تائهون في عاصفة وزوابع تمتص قوانا الروحية والعقلية لصالح تقدم الآخرين واستمرار تخلفنا.

إذا استطاعت الأمة حل قضاياها الرئيسية مع الاستبداد السياسي والديني، وفك الارتباط بين الانقلابات المنصورة بفتاوى جُلبت من بطون تاريخ مأزوم، وتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء شبكات أمان للضعفاء والمقهورين، عندها ستنفك تلقائيا عُقد تلك الجزئيات اللامتناهية، ويصبح عندها الخلاف بشأنها غير ضار بالصحة العقلية للمجتمعات.

أنا لا أفهم لماذا يثور خلاف في بلد كليبيا بشأن تهنئة المسحيين في أعيادهم! وهي البلد الذين يدين أهله بالإسلام، فتلك قضية ومسألة ليست من الأولويات بالنسبة للمجتمع الليبي وليست حتى من الفروع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى