الراي

رأي- بغبائنا نقتل أبناءنا

 

* كتب/ حسين المرابط

 

أقولها دون أن أخشى في ذلك لومة لائم، ليست فرنسا ولا جرائها من يقتل ابطالنا، كما أنها ليست روسيا ولا حلفائها ولا أفريقيا ومرتزقوها، من يقتلهم نحن بغبائنا……؟

عند انتهاء الأحداث في ليبيا كان الأمل كبيرا في البناء، من ضمن المشاريع التي كنا نتطلع لها لبناء ليبيا بخبرات أوروبية، كان مشروع التوأمة ما بين مدينة مصراته ومدينة ستراسبورغ عاصمة البرلمان الأوربي، الهدف من التوأمة كان إعادة بناء مصراته على الطراز الحديث والرفع من مستوى المدينة الفكري والثقافي والتعليمي والصحي والاقتصادي والعمراني، لتكون مصراته ستراسبورغ أفريقيا ولكن بما يتماشى وخصوصياتنا كمسلمين، فتكون بذلك أنموذجا تحتديه بقية المدن في ليبيا.

بعد عقد اتفاقية التوأمة ما بين المدينتين كانت أولى الخطوات هي إنشاء مدرسة فرنسية في مصراته تتبع وزارة التربية والتعليم الفرنسية تمول من قبل فرنسا، مثلها مثل أي مدرسة فرنسية اخرى، طاقمها الإداري والتدريسي فرنسي الجنسية، أطوارها تبدأ بالروضة لتنتهي بشهادة الثانوية، المتخرج منها يعتبر فرنكفونيا يحق له الإلتحاق بالجامعات الفرنسية مثله مثل أي طالب فرنسي على نفقة الدولة الفرنسية دون أي وساطة من أحد….

تم تسمية مدرسة (الكرامة)الملاصقة لكلية الآداب في وسط مصراته من قبل السيد الحويك المسؤول التعليمي في المدينة في ذلك الوقت، لتكون مقرا للمدرسة الفرنسية. وعند البدء في التجهيز لزيارة الوفد الأوروبي ليعتمد أولى خطوات التوأمة برئاسة السيد (مارتين شولز) رئيس البرلمان الأوربي، يرافقه كل من السيدة (أننا غوميز) عضو البرلمان الأوربي من دولة البرتغال، والسيد (رييس) عميد بلدية ستراسبورغ الكبرى، والسيدة (المريني) نائبة عمدة ستراسبورغ ورئيس مكتب العلاقات الدولية في البرلمان الأوربي. عند التجهيز للزيارة، وكان من المفترض أن يكون السيد رئيس الوزراء في ذلك الوقت (علي زيدان) في استقبال الوفد، تعالت بعض أصوات قياديي مصراته ترفض المشروع بدوافع مذهبية وطائفية، قائلة: (لا والله لن نرضى ان ندنس تراب ليبيا بمدارس الاستعمار الفرنسي، قولوا لفرنسا ليس لديك مكان في ليبيا، صحيح دعمتمونا في حربنا ضد القذافي وشكر الله سعيكم، لكن لم تعد لنا حاجة بكم، إن احتجنا للمعونة فقطر وتركيا لن تبخلان علينا….)

خاب أملنا، وخاب أمل الوفد في الزيارة والتعاون والبناء وقالوا حرفيا: (عجبا لكم يا ليبيين تستبدلون دكتاتورية القذافي بدكتاتورية داعش!!!؟)، ومنذ تلك الفترة انطلق الإعلام الفرنسي يستهزئ بالليبيين ويقول عنا: (حاز الشعب الليبي بين شعوب العالم المركز الأول في الغباء؛ استبدلوا حكم القذافي بحكم داعش…..).

وبطبيعة الحال، كان ذلك من بين ما استغله الطرف الآخر لإلصاق تهمة التطرف للمنطقة الغربية ومساندة الإرهاب. وعلينا أن نعترف بأنه كان أعقل منا بكثير، خصوصا وانه لم يعر اهتماما للاختلافات المذهبية والطائفية والقبلية والجهوية، وجعل نصب عينه هدف واحد، هو تلميع صورته لدى الغرب وتشويه صورة خصمه، ما أمكنه ذلك….

منذ تلك اللحظة ونحن نركض خلف كل مسؤول نحذره من أن الطائرة الفرنسية التي قصفت ارتال القذافي المتجهة إلى بنغازي ومراكزه في عام 2011، ستقصف يوما أبطالنا في الجبهات ومواقعنا في كل المدن، فتكونون انتم المسؤولين على ذلك وليس العدو؟ لكن لا حياة لمن تنادي….؟

بعد حرب 2014، في مكالمة هاتفية مع رأس من رؤوس هرم الحكومة الليبية في تلك الفترة، ابلغته رسالة من الإتحاد الأوروبي عن طريق السيدة (موغيريني) رئيسة خارجية الاتحاد الاوروبي آنذاك، تقول فيها: (لابد من العمل على إيضاح موقفكم للمجتمع الدولي لأن الصورة أصبحت غير واضحة، ويشتم رائحة التطرف التي تدعم أركان هذه الحرب….) وتم الاتفاق مع السيدة على تنظيم لقاء يجمعها وحكومة الانقاذ لتدارس الموضوع معا. لكن للأسف الشديد، كانت الاجابة: (لسنا في حاجة لأوروبا، فلدينا ارتال أولها في مصراته وآخرها في رأس جدير والله لو أردنا أن نصبح في (أورشليم) لكنا في قلبها اليوم قبل غد…).

في تلك الأثناء خرج تقرير (فرنسي، إنجليزي، بلجيكي) باللغتين الفرنسية والإنجليزية، نشرته مترجما إلى العربية في أوانه على صفحتي و صفحات الفيس بوك، كما أرسلت منه نسخة إلى السلطات الليبية في ذلك الوقت، يصف التقرير الوضع في المنطقة الغربية ويقول في جزئية من جزئياته: (وعلى الرغم من أن غرب ليبيا يعتبر أكثر تحضرا من شرقها، إلا أن الغرب غارق في أحضان التطرف الديني، وما حدث من تفجير للكنيسة في مصراته إلا دليل على ذلك….)، فناشدنا السلطات في ذلك الوقت بأن تحسن وتوضح الصورة حتى لا يقع مالا يحمد عقباه، وتقصف طائرات الناتو ثوارنا ومراكزنا كما قصفت من قبل كتائب ومواقع القذافي. لكن للأسف الشديد -كالعادة- لا حياة لمن تنادي.

في عام 2016, شاهد العالم أكبر انتصارات العصر، انتصار أبطال قوات البنيان المرصوص على ثاني أكبر الامبراطوريات التطرفية، المتمثلة في داعش، وكان من الممكن أن نستثمر هذا الانتصار ونجعل منه معولا نغرزه في عين كل من يتشدق علينا بالإرهاب، لكن بقدرة قادر يختفي صيت ذلك النصر ويهمش أبطاله وتسند القيادة لمن شاركوا في الحرب خلف شاشات التلفاز.

في كل المناسبات، لم نلتق مع مسؤول ليبي إلا وحذرناه من أن ينتهز العدو فرصة سباتنا ويستغل ذلك في تحريض العالم علينا، عندها يكون قد فات الأوان، وتكون الفأس قد وقعت في الرأس، فلا نستطيع أن نتدارك الأمر بعد أن تتكالب علينا الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها، لكن للأسف الشديد -كالعادة- لا حياة لمن تنادي….
فإن كان القانون لا يحمي المغفلين، فالسياسة -ايضا- لا ترحم المغفلين، فحتى وان كنا نقف صفا مع أبطالنا في الجبهات، فهذا لا يعني أننا لسنا نحن السبب في إراقة دمائهم وقصفهم بطائرات العدو…..؟

لهذا، أقولها ولا أخشى في ذلك لومة لائم، كل السياسيين الذي قادوا المشهد السياسي الليبي منذ عام 2011 إلى يومنا هذا، وعلى رأسهم كل مثلي ليبيا لدى الدول التي تكالبت علينا اليوم، هم المسؤولون الحقيقيون عن خراب ليبيا وإراقة دمائنا ودماء الأبرياء طيلة حقبة التسع سنوات، سواء كان ذلك حمقا منهم ام خيانة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى