الرئيسيةالراي

رأي- اللجنة العسكرية ترسم معالم نهايتها

* كتب/ عبدالله الكبير،

عاصفة من ردود الفعل أعقبت نشر مراسلات موجهة من اللجنة العسكرية 5+5، إلى رئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب والمبعوث الأممي.

المراسلات تضمنت عدة مطالب تخرج عن مهام اللجنة واختصاصها العسكري الصرف إلى الشأن السياسي، لذلك حملت البيانات المعترضة من الكيانات السياسية والعسكرية رفضا قاطعا لهذا التجاوز، مع تساؤلات موضوعية عن حيادية اللجنة وعدم تحيزها لطرف بعينه في مضمون هذه المراسلات.

طالبت اللجنة بتجميد العمل بجميع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم العسكرية مع جميع الدول خاصة روسيا وتركيا، رغم عدم إعلان أي من الحكومات السابقة أو الحالية عن إبرام اتفاقية أو مذكرة تفاهم عسكري مع روسيا.

ولكن ما يرجح وجود اتفاقية أو مذكرة تعاون عسكري مع روسيا، هو حديث رئيس البرلمان عقيلة صالح مؤخرا عن تمسكه بالتعاون مع روسيا وإشادته بمواقفها، وحديث وزير خارجية روسيا لافروف في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بوزيرة الخارجية الليبية المنقوش، وتلميحاته الواضحة عن تواجد روسيا في ليبيا في موازاة الوجود التركي، ما يعني أن روسيا تجاوزت مرحلة الإنكار وبدأت في التوطئة والتمهيد للإعلان عن وجودها وشرعيته، وذكرها في مراسلة اللجنة العسكرية يعني أن اللجنة مشاركة في هذا التمهيد.
أشارت اللجنة في مراسلتين إلى احتمال انهيار وقف إطلاق النار إذا استمر إخفاق لجنة 75 في إنتاج القاعدة الدستورية للانتخابات، وإذا لم يتم تعيين وزير للدفاع!

لم تخاطب اللجنة مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة فهما المعنيان بإنشاء القاعدة الدستورية وقانون الانتخابات قبل لجنة 75. لأن من حرر المراسلة طرف لا يعترف بشراكة المجلس الأعلى للدولة أولا، ولاستحالة تمرير قاعدة مفصلة على مقاسه في مجلس النواب بالنظر إلى موقف غالبية النواب المختلف إذا طرح الأمر في جلسة مستوفية للشروط الدستورية ثانيا.

لذلك فهو يعول أكثر على فعالية ممثليه في اللجنة، فضلا عن عدم الإلزام في مخرجاتها باعتبارها غير منتخبة، والتسويات الصادرة عنها بحاجة لقرار داعم من مجلس الأمن. ولن يسمح الحليف الروسي بصدور هذا القرار إذا لم يتوافق مع مصلحة حلفائه.
المهمة الرئيسية للجنة هي تثبيت وقف إطلاق النار، ولذا كان من المنطقي أن تعقد اجتماعا عاجلا فور تهديد طرف مسلح بالعودة للحرب، ولكن التهديد مر وكأنه لم يكن، وكان هذا كافيا لإثارة الشكوك في جدية اللجنة ووقوفها على مسافة واحدة من كل الأطراف.
الإصرار على تعيين وزير للدفاع مريب في ظل حالة الاستقطاب والتدخلات الدولية للظفر بهذه الوزارة، التي تعني الكثير لمن يعاني شحا في موارده المالية، ومحاصر بديون هائلة للمليشيات والمرتزقة نظير خدماتهم في انسحاباته التكتيكية. ثم ما المشكلة في بقاء الوزارة بحوزة رئيس الوزراء، فكل رؤساء الحكومات بكل دول العالم يحتفظون أحيانا بحقيبة وزارية إذا تعذر وجود الشخص المناسب لشغلها أو لغيرها من الأسباب.

سبق للجنة العسكرية عقب أحد اجتماعاتها إصدار بيان تضمن الفقرة التالية:

“تبدأ فورا عملية حصر وتصنيف المجموعات والكيانات المسلحة بجميع مسمياتها على كامل التراب الليبي، سواء التي تضمها الدولة أو التي لم يتم ضمها، ومن ثم إعداد موقف عنها من حيث قادتها وعدد أفرادها وتسليحها وأماكن وجودها، وتفكيكها، ووضع آلية وشروط إعادة دمج أفرادها بشكل فردي إلى مؤسسات الدولة، الخ”.
ورغم الوضوح في عدم استثناء أي كيان مسلح مهما كان اسمه إلا أن اللجنة في مراسلتها لرئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة طالبت بإعادة النظر في تبعية أجهزة أمنية كلها تقع في الغرب والوسط، وإعادة تقييمها وهيكلتها وتحديد مهامها، بينما لم تشمل هذه المطالبة بقية الأجهزة الأمنية والعسكرية في الشرق والجنوب، رغم اتفاق اللجنة حسب الفقرة السالفة الذكر، ورغم فداحة الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها جهاز الأمن الداخلي في الشرق حسب تقرير منظمة العفو الدولية، وهو يمارس هذه الانتهاكات خارج سلطة المجلس الرئاسي والحكومة.

بات واضحا الآن الطرف الذي صدرت لمصلحته هذه المطالب، والتي من خلالها تكشفت نواياه المبيتة بالإعداد والتهيئة للحرب. هذا الطرف الذي بات محكوما بسيكولوجية المقامر. كلما قامر بما في يده وخسر زادت شراهته للمقامرة مؤملا التعويض حتى يتلف كل ثروته، من دون أن يفقد إيمانه بالمقدرة على تعويض كل خسائره واستعادة أمواله إذا تحصل على فرصة أخيرة. وليس ثمة أمل في شفائه. وإيقاف هذا النزيف لا يتأتى إلا بسجنه أو انتحاره أو الحجر عليه في مصحة علاجية.

ربما سيكون من العسير على اللجنة العسكرية استعادة ثقة الأطراف التي استهدفتها لحساب أطراف أخرى، ولكنه ليس متعذرا تماما. فقط عليها أن تأخذ زمام المبادرة وتواجه بشجاعة تهديدات الطرف الذي يجمع الحطب ليوقد نيران الحرب، وتدعوه للخضوع للسلطة السياسية، وتحرص على التوازن بين كل الأطراف، وتنأى بنفسها عن الخوض في غير مهامها. من دون هذه الخطوات تكون اللجنة قد رسمت بنفسها معالم نهايتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى