الراي

رأي- إيطاليا قزاز !!!

* كتب/ عطية صالح الأوجلي

في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.. كانت هذه الجملة تتردد على شفاه قائلها بنوع من الزهو والفرح… فهي ببساطة تعني أن صاحبها قد منّ الله عليه بالتقاط محطات التلفزة الإيطالية “راي أونو” وأخواتها.. وأنه قد نفذ بجلده من عذابات الملل القاتل الذي كان يفرضه التلفزيون الرسمي المنشغل بالمسيرات والهتافات ونشرات الأخبار الماراثونية وبتقلبات عالم السياسة.. كانت متابعة مباراة لكرة القدم.. أو مشاهدة برنامج منوعات بلغة لانتقنها هو مكافأة طعمها كطعم الحلويات بعد وجبة شهية.

 

كانت الأنتينا العالمية قد أضافت بعدا جديدا لحياتنا.. ولكنها أتت أيضا بمشاق… منها الركوب إلى السطح في المساءات لتحريك الانتينا إلى الاتجاه الذي يضمن المشاهدة الأفضل.. وهذا يحتاج إلى “رشاقة وتركيز وطولة بال”.. كما يحتاج إلى “حنجرة” من طراز خاص لدى الشخص القابع في المربوعة أمام التلفاز.. حرك ايمين.. لا. راك حركتها واجد.. ترى عاود شوية للمكان اللي كانت عليه.. تارة نظفر بإيطاليا قزاز… وتارة أخرى بتعب جسدي وحنق على الانتينا اللعينة.. وأحيانا جدل من نوع.. تي من قالك اتحركها.. ما هي كانت واضحة.. أو أنت يا أفندي ما اتريحش روحك نين تبرم الانتينا وتريح الاتجاه.. طبعا عمليات التدوير تزيد كثافتها مع اقتراب كأس العالم.. والسعادة آنذاك هي أن تأتي للعمل في اليوم التالي وتقول للجماعة.. شفتوا المنتخب الألماني البارح شنو دار..؟

كنا أحيانا نتحصل على بث للتفلزة التونسية التي كانت ذات نكهة مميزة.. تعرفنا على مطربين توانسة.. الرياحي وأحمد حمزة وعلية وغيرهم وشاهدنا برامج منوعات وأخرى ثقافية ورياضية.. لكن بالنسبة لي كانت المتعة هي متابعة خطب المرحوم بورقيبة المجاهد الأكبر.. فخطبه كانت خليطا من الهدرزة والوعظ والقصص الطريفة.. وكانت حركات يديه المسرحية ونبرات صوته.. ولازمة “ثما الحاصل معناه”.. تضفي لمسة فنية فتحيل الخطاب إلى عرض فني شغفت به وتابعته بكل دقة.

ولكن ذات خطاب حدث أمر لم يكن في الحسبان.. ففي وسط الحديث انفجر الزعيم الأكبر باكيا.. وعندما تمالك نفسه.. قال “أني ما نبكبيش على نفسي.. أني نبكي على تونس من بعدي”.. مشهد أسطوري من مسرحية شكسبيرية أو من ملحمة يونانية.. البطل ينعي البشرية من بعده.

 

عاد المشهد إلى ذهني أمس.. حين سمعت أن الرئيس بوتفليقة يطالب الشعب الجزائري بإعادة انتخابه للمرة الخامسة ولكنه سيستقيل بعد عام واحد.. عام يقوم فيه بما لم يقم به طوال سنوات حكمه.. ويستقيل بعدها، ولن يترشح ثانية.. ذٌهلت.. ومر بذهني “الحبيب” وغيره من الزعماء.. وقصص التراجيديا اليونانية بل وحتى البابلية… ما الذي تفعله السلطة بالبشر؟ ومن أين لها هذه السطوة على عقولهم؟.. يا إلهي!.. أي مخدر يجده الزعماء فيها؟.. وهل من فكاك منه؟.. ورجع بي شريط الذكريات من أبوتفليقة إلى الحبيب.. إلى إيطاليا القزاز.أعلى النموذج

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى