الرئيسيةالراي

العمد أو سوء الفهم.. تعليق على تجربة العلماني العربي

*هشام الشلوي،

عن عمد أو سوء فهم يقع العلماني العربي في خطأ منهجي جسيم عندما يجري مقارنات قيم الحداثة العلمانية وتطبيقات القيم الإسلامية.

وأظن أنه عند إجراء مقارنة عادلة علينا أن نضع منظومة القيم الإسلامية مقابل منظومة القيم العلمانية الحداثية، وواقع تطبيقات هذه القيم العلمانية الحداثية مقابل تطبيقات وواقع وتطبيقات القيم الإسلامية.

العلماني العربي يستغفلنا عندما يخلط المقارنات ويعمد إلى إغفال قيم الإسلام السياسية، ويُعلي فقط من شأن تطبيقات القيم الحداثية العلمانية، ويصدمنا عندما يُبرز قيم الحداثة العلمانية الأنوارية ويُخفي كيف جرى تطبيق هذه القيم في بيئتها الأم وخارجها.

وأصل نشأة العلمانية في أوروبا أنها جاءت كإجراء وحل عملي وتسوية لإنهاء حروب دينية استعرت بين مختلف الطوائف المسيحية في أوروبا، حيث قُتل الناس بالمجان وأُحرقوا وانتشرت الأوبئة والأمراض وخرب العمران، ولم تكن بالدرجة الأولى نتيجة فكر عمّ القارة العجوز، كما يقول رفيق عبدالسلام.

كما أن هذه الحداثة العلمانية لم تروج لقيمها خارج السياق الأوروبي بالحجة والدليل والبرهان والتبشير بفكر روسو وهيجل وكانط، بل على ظهور الدبابات واحتلال دول بأكملها في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، واصطدام الحداثة وعالمنا الإسلامي بغزو نابليون بونابرت لمصر أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.

القيم الإسلامية في السياسة والحكم كانت ثورة في عوالم يسيطر عليها أباطرة الرومان ومتألهو الفرس، وجرى تطبيقها من خلال الحكم النبوي والخلفاء الأربعة، ولم تكن الخلافة إلا تطبيقا وممكنا من الممكنات التي أبرزت هذه القيم في الحكم.

صحيح أنه على يد الأمويين كُسرت حلقة التطبيق باتجاه الملك العضوض الذي مازالت عوالمنا وفضائنا العربي يغوص فيه، إلا أن القيم قابلة للتطبيق والإنزال على أرض الواقع إذا ما تحلت الشعوب بشجاعة إجبار المستبدين على التخلي عن تألههم.

بينما كانت تطبيقات الحداثة في عوالمنا كان الإجبار والإكراه هما الركيزة الأساسية، بل عمدت القوى الغربية إلى إغراق عالم الإسلام بالسلطوية والديكتاتوريات والشموليات المستبدة ودعمتهم بالسلاح والعتاد لإرغام الشعوب على الاستكانة والرضا بحكمهم.

على المستوى الديني لا يستطيع أن ينكر مسيحيو الشرق أو حتى اليهود أنهم كانوا في منجاة مما تعرض له إخوانهم في أوروبا الحروب الدينية، لذا من المستغرب أن يطالب المسيحي العربي بإقصاء قيم الإسلام عن الحكم بدعوى التسامح العلماني الحداثي، وهو الذي حافظ على قيمه وحضارته وكنائسه تحت ظلال الحضارة الإسلامية.

المقارنة العادلة تكون بين قيم وقيم وتطبيقات، وليس خلطهما بتعمد أو عن سوء فهم.

وكما يقول رفيق عبدالسلام أننا لسنا في سعة لرفض الحداثة جملة وتفصيلا، والركون إلى تطبيقات تاريخية في محاولة لاسترجاع رسومها وأشكالها وإغفال قيمها، بل لا مناص من التأثر بالحداثة والتأثير فيها.

وأختم بأن العلماني العربي خسر معركته مع الديمقراطية والحقوق السياسية، بنومه في أحضان الشموليين والديكتاتوريين ولم تعد دعوته مغرية لأحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى