الرئيسيةفي الذاكرة

الحرب المنسية …!!!

في مارس من عام 1915 وفي خضم الحرب العالمية الأولى والتي كانت ألمانيا طرفا رئيسا فيها… قامت الحكومة الألمانية بإصدار صحيفة غريبة بعض الشيء.. فقد كانت الصحيفة باللغة العربية وكان اسمها الجهاد…

فما الذي يدفع حكومة اوروبية مسيحية ان تحث المسلمين على الجهاد وهي تخوض حربا ضروس ضد أشقائها المسيحيين..!

* كتب/ عطية الأوجلي،


لهذه الصحيفة قصة.. فقد كانت جزءا من العمل الإعلامي العسكري، وجزءا من المعركة التي خاضتها كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا لكسب المقاتلين المسلمين إلى صفها.. كانت بريطانيا هي السباقة والأكثر تأثيرا بحكم احتلالها وحكمها المباشر للعديد من دول المسلمين، خصوصا الهند التي كانت تضم آنذاك كلا من الهند والباكستان وبنغلاديش قبل انفصالهما فيما بعد..

استخدم الانجليز سلاح الوعود بالاستقلال وتكوين الممالك والإمارات لجر العرب إلى هذه المعركة.. واستخدمت فرنسا الدعاية المكثفة لجر سكان شمال افريقيا لصفها، وكذلك قوانين التجنيد الإجباري لجر الآلاف إلى صفوف جيشها.. بينما اعتمدت ألمانيا على تحالفها مع الدولة العثمانية وعلى سمعتها بين المسلمين لتصوير نفسها كحليف لهم.. بل إن ماكينة الدعاية الألمانية قد روجت أن امبراطور ألمانيا يحمل بين ألقابه لقب الحاج غليوم!..

وتفننت كل دولة في ابتكار الوسائل للتقرب من هؤلاء الجنود، ففرنسا على سبيل المثال افتتحت مسجدا كبيرا في باريس عام 1915 بعد طول ممانعة وقامت بتصويره وطبعه على الكروت التذكارية ليستخدمها الجنود في مراسلة أهاليهم.. كما قامت بسن القوانين التي تمنع تقديم وجبات الخنازير إلى هؤلاء الجنود ومنع تقديم الخمر لهم، والحرص على مشاركتهم الاحتفال بأعيادهم الدينية.. بل نصت على تقديم الشواء ووجبة الكسكسي في عيد الأضحى.. أما في شهر رمضان فقد كانت هناك معاملة مميزة للصائم.. وفتوى دينية لمن يريد الإفطار!.

يقدر عدد المسلمين الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى بحوالي 2.5 مليون جندي بالإضافة إلى مئات الآلاف من العمال.. حيث لعب العمال في المزارع والحقول والمصانع دورا لا يقل أهمية عن نظرائهم في جبهات القتال حيث وفروا المؤن والملابس والأحذية وغيرها من أشكال الدعم لجبهات القتال..

بقيت إسهامات هؤلاء الجنود مجهولة.. لم يصور أحد بطولاتهم في أفلام السينما، ولم تتحدث الكتب أو المناهج الدراسية عنهم.. وكان من الممكن أن يبقوا طي النسيان لولا جهود بعض البحاث الأوروبيين وبعض من أحفاد المقاتلين الذين أصروا على سرد الحقيقة والتعرف على جزء من هذه الدراما الإنسانية، التي اختلطت فيها السياسة والحروب بالعقائد والثقافة.. والتي بينت وكالعادة قدرة الأقوياء على تجنيد الضعفاء وإيهامهم.. ثم نسيانهم والتخلي عنهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى