اخبارالرئيسيةثقافة

رحيل الفيلسوف الليبي نجيب الحصادي عن عمر يناهز 72 عامًا

الأشد فزعًا من دنو الأجل

الناس-

نعى الوسط الثقافي والأكاديمي الليبي، الأسبوع الماضي، المفكر والفيلسوف الدكتور نجيب الحصادي، الذي وافته المنية يوم الخميس الموافق 3 يوليو 2024، في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية عمّان، بعد صراع مع مرض السرطان.

وكان الراحل قد أعلن عبر صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك” في مايو الماضي إصابته بسرطان الرئة، في تدوينة لاقت تفاعلًا واسعًا من أصدقائه وتلاميذه ومتابعيه في ليبيا وخارجها.

يُعد الدكتور نجيب الحصادي أحد أعلام الفكر والفلسفة في ليبيا، وواحدًا من أكثر الأكاديميين والمثقفين إنتاجًا وترجمةً، لا سيما في مجال الفلسفة والمنطق، عُرف بغزارته المعرفية، وسعيه المستمر لتأسيس مشاريع فكرية جماعية تهتم بالهوية الليبية، وقضايا التفكير النقدي.

من أبرز مؤلفاته: أوهام الخلط، تقريظ العلم، قضايا فلسفية، ليس بالعقل وحده، نهج المنهج، الأغاليط، الريبة في قدسية العلم، وفي مجال الترجمة، كان من أعماله المتميزة: نظرية المعرفة لرودرك م. تشيزهولم، ومن وجهة نظر منطقية لكواين، وقراءات في فلسفة العلوم تحرير باروخ برودي.

ولد الراحل في مدينة درنة في 25 أغسطس 1952، وتخرج من قسم الفلسفة من الجامعة الليبية عام 1973، ثم حصل على درجة الماجستير من جامعة جورجتاون الأميركية عام 1977، وتوّج مسيرته الأكاديمية بنيل الدكتوراه في الفلسفة من جامعة ويسكونسن – ماديسون سنة 1979.

وفي كتابه الأخير “أرسان الروح” 2023، الذي تضمّن سيرة ذاتية وتأملات فكرية عميقة، يقول الحصادي:

“كان الحماس الذي بدأت به كتابة هذا العمل يتزايد مع كل فصل من فصوله الأولى، لكنه ما أن انتصف حتى طفق يفتر، فاعترى الهمة وهن كدت أفقد بسببه الدافع لإتمامه، ولعل رهق تراكم استنفار الذاكرة وقدح زنادها هو المسؤول عن هذا الوهن وذاك الفتور، وكنت حين احتفل بعض الأصدقاء بذكرى ميلادي السبعين قد قلت لنفسي إن الوقت قد حان لقول أشياء ما كان لأحد غيري أن يقولها، عسى أن يفيد منها آخرون، فهذه في النهاية فكرة السيرة الذاتية”.

ثم في خاتمة سيرته يكتب: “حين انتهيت منها شعرت بما هو أدعى إلى الفزع من الشعور بدنو الأجل؛ فقد شعرت بشكل يعتريه بعض الاضطراب، بأنه لم تعد للناس بي حاجة، وأن كل ما سوف أقوم به بعدها نوع من اللعب في الوقت بدل الضائع، الذي نادرًا ما يُحدث فرقًا” مضيفًا: “اعتراني بعد أن فرغت من كتابة هذه السيرة شعور بالخواء، لم أدرك له كنهًا، ولعلّه أشبه ما يكون بشعور من وضعت حملها بعد لأيٍ، أو شعور من بُترت ساقه وظل يستشعر أكالًا في أخمص قدمه… أهذا كل ما جئت إلى العالم من أجله؟ وما لبثت حتى أجبت، والحسرة تملأ قلبي: لكم يبدو ما قمتُ به صغيرًا وضئيلًا”.

بهذه الجرأة النادرة، يعبّر الحصادي عن وعيه العميق باقتراب النهاية، سواء كانت بالموت أو بانسحابٍ رمزي من مسرح الحياة. لا يتحدث بنبرة وداعيّة فقط، بل يُجسد أقصى صور التواضع والزهد، كمن يتخفف من كل ما أنجز، ويفتح بذلك باب التأمل لكلّ واحدٍ منّا ليسأل نفسه، ويجيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى