
* كتب/ خالد الجربوعي
الفن بكل أنواعه هو جزء من تاريخ وذاكرة الشعوب، ويبقى الغناء أحد أهم وأبسط الوسائل للوصول إلى متابعيه، لأنه يمكن أن نسمعه في كل مكان وفي كل حين دون الحاجة إلى مكان محدد أو معين كما بعض الفنون الأخرى..
ويمكن أن يكون للغناء مكانته خاصة ذلك الذي يتغنى بالوطن أو ما يشار إليه بالغناء الوطني، ولهذا عندما يتم اختيار هذا النوع من الغناء يمكن أن يعيش إلى مدى طويل، ويكون مقبولا لدى كل العهود والسلطات، لكن هنا يجب أن يكون اختيار هذا النوع من الفن خاصة في كلماته مميزا وحذرا، بحيث يكون للوطن عامة وللشعب بكل أطيافه، وتكون الأرض بكل ما فيها هي محور هذا الغناء وتفاصيله دون الإشارة إلى فرد أو جماعة معينة، أو فكر محدد يخص أصحابه.. لأن الأول والذي يتغنى بالوطن عامة يصبح مشاعا، ويجوز تقديمه في كل الأوقات حتى تلك التي قد تكون أسقطت النظام أو العهد الذي سجلت فيه تلك الأغاني.
أما الغناء الذي يعظم أفرادا أو يقتصر على جماعة أو نظام بذاته، فهو معرض للإقصاء والانتهاء بمجرد انتهاء صاحبه أو جماعته وسقوطهم عن الحكم.. لهذا على الشاعر أولا والفنان ثانيا أن يكون كل واحد منهما ذكيا في اختياره للغناء الوطني، ولا يربط نفسه بعهد أو نظام أو فرد معين ومحدد؛ لكي يعيش فنه ويصبح ملكا للشعب وللوطن في كل الأزمنة والعصور.. لا ملكا لفرد أو جماعة، يسقط معها وينتهي بسقوطها وانتهائها.. وهذا للأسف ما وقع فيه الكثير من الفنانين العرب عامة والليبيين خاصة طيلة عقود من الزمن، فكانوا فنانين لعصور أو أنظمة معينة، انتهت جل أغانيهم وأعمالهم بانتهاء تلك الأنظمة والعهود، وأصبح الاستماع إليها أمرا لا معنى له ولا قيمة إلا نادرا وفي أضيق الحدود.. بينما الفن الذي يتغنى بالوطن عامة يظل حيا على طول لا نهاية له.
وللأسف فإن الأمر مازال يتواصل ويتكرر اليوم من عديد الشعراء والفنانين الليبيين، ومنهم من كان غنى للسابق، ورغم كل ما حدث لم يتعظ فيغني اليوم لآخرين حتى قبل أن يصلوا إلى سدة الحكم، ليكون بوقا لهم لا للوطن والشعب..
وهنا يكمن الفرق بين فنان وآخر، وبين أغنية وأخرى، فواحدة يمكن أن تعيش أبد الآبدين حتى بعد نهاية صاحبها، وأخرى تسقط مع أول عاصفة تغير وتسقط صاحبها ومن تغنت له دون تأخير.
ولعل ما يحدث في عديد برامج التراث، خاصة تلك التي ارتبطت بشهر رمضان الكريم وكيف جعلها أصحابها خاصة من الشعراء والفنانين وسيلة للغناء للأفراد وتقديسهم أمواتا، وتحويلهم إلى أناس لا مثيل لهم، حتى أصبحوا هم الوطن والوطن هم، وبدونهم لا وجود لا لوطن ولا مواطن. ولا مكان ولا وجود لهما من غيرهم..
طبعا هناك من بقى في مكانه يغني لسيده الأول، وهناك من باع واحدا واشترى آخر.. وهذا خير دليل على استغلال الفن والغناء لصالح الأفراد، خاصة من أصحاب السلطة من أجل التطبيل لهم ونفاقهم، أو محاولة فرضهم على الآخرين وتقديمهم وكأنهم ملائكة لا مثيل لهم بين البشر.