
* كتب/ خالد الجربوعي،
يرتفع الحديث هذه الفترة عن موضوع توطين المهاجرين غير القانونيين في ليبيا، وتتبادل الاتهامات بين السلطات المختلفة وغيرها حول وجود اتفاقيات من البعض على الموافقة على منح المهاجرين فرصة التوطين في ليبيا فيما يرفض من توجه لهم هذه الاتهامات مثل هذا الكلام وهذه الاتهامات دون أن تجد من يؤكد أو ينفى كل ذلك فعليا وبأدلة حقيقية واقعية..
ولكن ورغم كل هذه الاتهامات والنفي المصاحب فإن الواقع يخبرنا أن التوطين هو أمر واقع منذ سنوات وعقود، دون حاجة لا إلى موافقة حكومة أو رفض غيرها.. فالمهاجرون والقادمون من وراء الحدود وجودهم في ليبيا أمر واقع بشكل لا حد ولا مثيل له، بل أصبحوا جزءا هاما من الواقع الليبي، وتحول الكثير منهم إلى أصحاب مشاريع، ولهم مكانة ودور خاصة في الاقتصاد الليبي، حتى أصبحت لهم الكلمة الأولى أو تكاد في ممارسة العديد من أنواع التجارة، وحتى الإعمار والبناء بيدهم وتحت تصرفهم، ولا يستطيع أحد أن ينافسهم أو يقترب حتى منهم، أو من عديد المهن التي أصبحت حكرا عليهم والليبيون يتفرجون، ولا يملكون إلا الشكاوى والنقد السلبي، دون أي فعل حقيقي باي طريقة..
والأمر ليس بجديد، فهو بدأ منذ عقود ومنذ أن رفع القذافي شعارات ليبيا أرض العرب وفتح الباب لهم، خاصة مع نهاية ثمانيات القرن الماضي ومطلع التسعينيات عندما أراد إعادة العلاقات مع عديد الدول العربية، وفي مقدمتها مصر بعد قطيعة لسنوات “دون الدخول في أسباب القطيعة أو العودة”.. تقاطر هؤلاء بشكل لا حد له وأصبحوا جزءا من المجتمع، بل أصبح الاقتراب منهم في فترة من الفترات أو انتقاد وجودهم جريمة تعاقب عليها السلطة لا القانون..
ثم كانت الضربة الأخرى نهاية التسعينيات عندما أراد نفس النظام رد ما قيل إنه جميل للإفريقيين بعد فتح أجوائهم للطائرات الليبية وخرق الحصار الدولي المفروض بعد سنوات من فرضه.. فكان أن حول ليبيا إلى أرض للأفريقيين بعد العرب، وفتح لهم الحدود على مصراعيها دون أي موانع.. فكانت البداية وكانت الهجمة البشرية التي حولت بعض المناطق الليبية إلى جزء من إحدى الدول الإفريقية، حتى أصبحت بعض المواقع ملكية خاصة لهم وحكرا عليهم لفترة من الفترات، لا أحد يستطيع الاقتراب منها أو منهم..
وأعتقد أن الجميع يذكر بعضا من أماكن تجمعهم الخاصة، فلعل ما عرف بالجنسية حينها بمنطقة الكريمية خير دليل، إضافة إلى “كامبو” طريق المطار قرب شركة ريبسول النفطية.. وكيف كانت أماكن ممنوعة على الليبيين دخولها، وما صاحب ذلك من أخبار وأحداث، بعضها حقيقية وبعضها مجرد مبالغة وإشاعات عما يحدث داخل هذه الأماكن والمواقع.. حتى وصل الأمر لاحقا لقيام بعض الليبيين بالانتفاضة عليهم مطالبين بإخراجهم من مناطقهم، ومن البلاد عامة، بعد أن أصبح وجودهم يهدد المواطن في كل مناحي حياته.. حيث تحولت بعض المناطق والأحياء أقرب إلى قرى إفريقية منها مناطق ليبية؛ بسبب ارتفاع أعدادهم إلى حد كاد يفوق عدد أبناء البلاد أنفسهم، ولعل ما حدث من انتفاضات ومواجهات وصلت إلى حد القتل وسفك الدماء يومان خير دليل، فمن مواجهات بعض مناطق طرابلس خاصة منطقة غوط الشعال وما جاورها، إلى انتفاضة مدينة الزاوية المعروفة وما حدث فيها من صدامات.
ثم حتى عندما استحدثت أجهزة لمكافحة هذه الهجرات، خاصة بعد توقيع الاتفاقيات مع إيطاليا أصبح بعض ممن يفترض أنهم يكافحون الهجرة وغيرها هم جزء ممن يسمحون بها.. ولعل سجن مئات الضباط بمختلف الرتب في فترة من الفترات على مثل هذه الأفعال خير دليل.. دون أن ننسى استفادة بعض أفراد الأجهزة الأمنية الرسمية من شرطة وجوزات وغيرها، والشعبية ما عرف بالأمن الشعبي حينها، ومشاركتهم في منح أوراق إقامة مزورة، والمتاجرة بها بين هؤلاء في ذلك العهد مثل آخر.. وهنا أتحدث عن وقائع وأحداث أعرفها جيدا وأعرف حتى بعضا من أبطالها الأشاوس بشكل شخصي.
حتى حدث ما حدث في 2011م، فكان ذلك فرصة للتخلص من هذه الجماعات، حيث نتيجة الأحداث والصراع المسلح عاد الكثيرون منهم إلى بلدانهم فرارا وهربا مما يحدث، ولكن بدل أن يستغل ذلك وتقفل الأبواب أمام عودتهم من جديد، حدث العكس تماما.. وكانت الهجرات الجماعية والدخول إلى البلاد بشكل أكبر وأكثر قوة، حتى أصبحت أعدادهم في شوارع وعديد الأحياء والمناطق الليبية، وفي مقدمتها العاصمة طرابلس في ازدياد بشكل كبير، وكأنها تريد تكرار ما حدث في تسعينيات القرن الماضي، عندما أصبحت بعض الشوارع والاحياء تزخر بخمسة أو ستة أفارقه مقابل كل ليبي تقريبا..
خاصة في ظل الفوضى وانقسام البلاد، واستغلال جماعات مسلحة للأمر من أجل المكاسب المادية من ورائهم.. فتحول هؤلاء إلى سلعة وتجارة يكسب من ورائها الملايين، من خلال إدخالهم للبلاد والعمل على منح الفرصة لهم لتجاوز البحر والوصول إلى أوروبا، ورغم كل الكلام والأجهزة المستحدثة لمحاربتهم فإن الأمر لم يتجاوز في جله الكلام، والنظريات والبيانات، وبعض الفعل المحدود جدا.. فيما الواقع يخبرنا عكس ذلك تماما، بل إن الاستفادة من ورائهم من قبل كل الجهات الرسمية والحكومية والأمنية الشرعية والمشرعنة، وحتى المواطنين أنفسهم جعل الأمر لا يتجاوز ذلك، وبضع محاولات لا تغني ولا تسمن من جوع.. وحتى البيانات التي تصدر من هنا وهناك من بعض أطراف السلطة ماهي إلا محاولة الطعن في طرف آخر، والبحث عن ما يضعه في موقف الاتهام لا غير.
فمن تجده اليوم من المواطنين يرفع صوته ضد وجود هؤلاء المهاجرين ستجد الكثيرين منهم يقومون بتأجير بيت لهم، أو محل تجاري لممارسة بعض مهنهم، بغض النظر عن شرعيتها من عدمه.. بل هناك من يخبرك أنهم أفضل من الليبيين دفعا، ويمكنه إخراجهم متى أرد، عكس الليبيين، وإنه يتمنى ألا يتركوا البيت لأنه مصدر دخل جيد له، وهكذا الحال، بل حتى أصحاب التاكسيات وغيرهم من سيارات حتى خاصة، يخبرك أنهم هم أكثر زبائنهم، ومن يوفر لهم دخلا جيدا يوميا، وبدونهم سيفقد جزءا كبيرا من الأموال التي يحصل عليها، لهذا يتمنى أن لا يخرجوا من البلاد.
أما الجهات الرسمية ومن بيدهم مكافحة هؤلاء المهاجرين من أصحاب السلطة وخاصة الأمنية منها فحدث ولا حرج، وما حدث ماضيا يتكرر اليوم.. فهم أيضا بينهم من يستفيد من وجودهم ويحقق المكاسب من ورائهم، فهؤلاء يجنون الأرباح والمكاسب من خلال جباية المال مقابل إطلاق سراحهم، عند حملات القبض عليهم أو إتمام إجراءات الإقامة لهم، ولو بشكل غير قانوني، وهناك من يستغلهم لإتمام بعض الأعمال الخاصة به دون مقابل.. وهذا قليل من كثير مما يحدث في البلاد في علاقة بموضوع المهاجرين ماضيا وحاضرا.
دون أن ننسى أن هناك من يقدّم لهم الخدمات ويستغل موقعه الوظيفي وعلاقاته الشخصية لإنجاز عديد الأعمال لهم، حتى لو كانت مخالفة للقانون، بل أصبح لبعضهم علاقات ومكانة لدى عديد الجهات والجماعات، أقوى حتى من الليبي نفسه، نتيجة ما يدفعه من أموال ويقدمه من خدمات، ويقيمه من علاقات مع بعض أصحاب السلطة، والكلمة في بعض الأماكن والمواقع خاصة الأمنية منها.. حتى أصبح الكثير منهم لا تهمه حملات ولا قانون، ولا حتى مخالفة، فهو يخبرك متبجحا أن هناك من سيقف معه ويمنع اتحاذ أي إجراء ضده.
لنصل إلى أهم الأسئلة التي يجب أن تطرح..
وهي.. من يدخل هؤلاء إلى البلاد؟ ويمنحهم كل التسهيلات التي توفر لهم أماكن الإقامة والتنقل، ويطلب خدماتهم وغيرها..؟!
الإجابة سهلة وبسيطة وليست صعبة..
فمن يدخل المهاجرين لليبيا ليبي… ومن ينقلهم من مكان إلى آخر ليبي… ومن يوفر لهم أماكن إقامة ويؤجر لهم البيوت والغرف ليبي.. ومن يمنحهم المحلات ومن يشغلهم ليبي.. ومن يطلب خدماتهم قبل غيرهم ليبي.. ومن يعمل على تهريبهم والاستفادة من وراء ذلك ليبي.. ومن يساومهم ويغتصب أموالهم ويسرقهم ليبي وغير ذلك الكثير..
إذا المشكلة الأساسية هي في الليبي الذي يقوم بكل هذه الأفعال والأعمال قبل الآخرين.
وفي الختام، وإذا كنا فعلا نريد القضاء على هذه الظاهرة ومنع ما قد يحدث من توطين فعلي ورسمي، علينا بل يجب أن يكون الشعار الأول والأهم هو شعار “ليبيا أولا” خاصة في ظل رفع مثل هذا الشعار في عديد دول العالم، ومنها من تحمل لواء الديمقراطية وحقوق الإنسان، دون أي خشية أو خوف لا من منظمات دولية ولا غيرها ولا الاهتمام بتقاريرها ومواقفها.. فلقد أصبحت هذه المنظمات مثل العدم، بعد أن أفرغتها الكثير من الدول من دورها، وأصبحت مجرد أصوات ترفع وبيانات تصدر، دون أي رد فعل..
لهذا يجب أن يكون هناك برنامج واضح وخطط معلنة ومتواصلة لإبعاد هؤلاء المهاجرين عن البلاد، إما بإعادتهم جنوبا وشرقا وغربا إلى دولهم الأصلية، ومن حيث أتوا جميعا بكل الطرق والوسائل الممكنة.. أو بفتح البحر وكل طرق الهجرة والخروج من ليبيا إلى أي أماكن أخرى يريدونها، وكلا يتحمل مسؤوليته بعد ذلك.
فليبيا ليست مسؤولة عمن يريد المغامرة بحياته تاركا بلاده وأهله من أجل ذلك، أما مجرد الحملات الوهمية والتصريحات الفارغة والخوف من هنا أو هناك، فكل ذلك لن يحقق أي نتيجة، وسنبقى ندور في نفس الدائرة، ونكرر ذات الكلام طيلة سنوات وعقود، وسيجعل من التوطين واستقبال المهاجرين أمرا لا مفر منه عاجلا أو آجلا.. ليتحول التوطين الواقعي اليوم إلى توطين رسمي وقانوني في يوم من الأيام بطريقة أو بأخرى، باتفاقيات أو بدونها، شاء من شاء وأبى من أبى.