
العربي الجديد-
يشهد سعر صرف العملات الأجنبية بالسوق الموازية في ليبيا ارتفاعاً متسارعاً، إذ اقترب الدولار من حاجز سبعة دنانير، مدفوعاً بتزايد الطلب على النقد الأجنبي وتراجع الإيرادات النفطية، التي تُعد المصدر الأساسي للعملة الصعبة في البلاد.
ورغم تأكيد مصرف ليبيا المركزي استمراره في توفير النقد الأجنبي، فإن الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي تتسع، في ظل عوامل متعددة، أبرزها شح المعروض النقدي، واستمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي، فضلاً عن تراجع عائدات النفط.
ووفقاً لبيانات مصرف ليبيا المركزي، بلغت مبيعات النقد الأجنبي خلال الفترة من 1 إلى 17 مارس 2025 نحو 2.3 مليار دولار، خُصص منها 1.1 مليار دولار للأغراض الشخصية، فيما وُجّه 1.2 مليار دولار للاعتمادات المستندية، في محاولة للحد من الفجوة في سعر الصرف وتلبية احتياجات السوق المحلية.
يرى خبراء اقتصاد أن انخفاض عائدات النفط أسهم بشكل مباشر في تفاقم أزمة السيولة بالنقد الأجنبي، ما دفع التجار والمستوردين إلى الاعتماد بشكل متزايد على السوق الموازية، الأمر الذي أدى إلى مزيد من الارتفاع في الأسعار. في المقابل، يرى آخرون أن المضاربة في السوق هي العامل الرئيسي وراء هذا الصعود الحادّ لسعر الصرف.
من جانبه، أوضح المحلل الاقتصادي محمد أحمد لـ “العربي الجديد” أن فترات الاضطراب المالي تشكل بيئة خصبة للمضاربين لاستهداف العملة، خصوصاً إذا اعتقدوا أن سعر الصرف الثابت غير مستدام أو لا يعكس الواقع الاقتصادي، فيما يخص ارتفاع معدلات التضخم، أو العجز الكبير في الميزان التجاري، أو نقص الاحتياطيات الأجنبية.
وأشار إلى أنه حتى في ظل الأنظمة المقيدة، يمكن للمضاربين استغلال الثغرات المتاحة، سواء عبر الأسواق غير الرسمية (السوق السوداء) أو من خلال الأدوات المالية المشتقة، مثل العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، للمراهنة ضد العملة المحلية.
وأضاف أن ليبيا تواجه هجمة مضاربات متصاعدة، تزداد ضراوة بمرور الوقت، إذ بات الدينار الليبي الضحية الأساسية لهذه العمليات، الأمر الذي ينعكس سلباً على معيشة المواطنين، مع استمرار خروج الأموال إلى خارج البلاد.
وأكد أن إدارة الاحتياطي النقدي تمثل ركيزة أساسية في مواجهة هذه الهجمات، وتتطلّب استراتيجية دقيقة تستند إلى تخطيط محكم لرصد توقيتات المضاربة وكشفها والتصدي لها بفاعلية.
معالجة العجز في ليبيا
وفي هذا السياق، يرى الباحث الاقتصادي نور الحبارات أن معالجة العجز المتراكم في ميزان المدفوعات وصولاً إلى حالة التوازن تُعد خطوة صعبة لكنها ليست مستحيلة، إذ تتطلّب اتخاذ تدابير عدة من قبل الحكومة والمصرف المركزي. وأوضح أن هذه التدابير تشمل زيادة الإيرادات من النقد الأجنبي عبر رفع الصادرات النفطية، وتنويع الصادرات الأخرى، والحدّ من فاتورة الاستيراد عبر اقتصارها على السلع الأساسية، إلى جانب تشجيع الإنتاج المحلي من خلال فرض إجراءات حمائية لتعزيز تنافسية المنتجات الوطنية أمام السلع الأجنبية.
وأضاف الحبارات لـ “العربي الجديد” أن من بين الإجراءات الضرورية ضبط الحدود ومكافحة التهريب، وتطوير قطاعات الصحة والتعليم والنقل والزراعة.
من جانبه، انتقد أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي، علي الشريف، الحلول التي يُلجأ إليها لمعالجة أزمة سعر الصرف، معتبراً أن “السلطات تترك الحلول التي لا تمسّ حياة المواطن وتذهب مباشرة إلى الحلول التي تؤثر عليه”.
وأضاف الشريف لـ”العربي الجديد”: “بدلاً من ترشيد الإنفاق، والقيام بالجباية الكاملة لعائدات النفط، وضبط الاعتمادات المستندية، يُلجأ إلى تخفيض قيمة الدينار أو فرض رسوم على بيع الدولار، وهي الحلول الأسهل لكنها الأكثر ضرراً على معيشة المواطنين”. وسجّل السعر الرسمي المشمول بضريبة 15% مستوى 5.61 دنانير للدولار، أما السعر الرسمي بدون ضريبة، فقد بلغ 4.82 دنانير.