اخباراقتصادالرئيسية

خسائر فادحة للثروة الرعوية في ليبيا بعد انقشاع “دانيال”

العربي الجديد-

خسر المواطن الليبي الصالحين بلحمد، أحد ملاك المواشي في مراعي منطقة الغريقة، المحاذية لمدينة البيضاء شرق البلاد، كل ثروته ومصدر رزقه الوحيد، وجلس ليقتات بما تجود به مواد الإغاثة، في انتظار أي تعويضات قد تصرفها الدولة، بعد انحسار غمام العاصفة دانيال التي ضربت بكامل قوتها مناطق شرق ليبيا في سبتمبر الماضي.

وبعد شروق أول شمس، واطمئنان بلحمد على عائلته وجيرانه، اكتشف أنه فقد كامل قوام مشروعه الرعوي الذي قدره بأكثر من 400 رأس من الأغنام، بعد أن نفقت جميعها وسط مياه السيول والفيضانات التي أغرقت مساحات واسعة من المراعي في المنطقة.

يوضح بلحمد لـ”العربي الجديد” أن الرعاة العاملين في رعاية قطعان الأغنام بالكاد نجوا بأنفسهم وخرجوا من منطقة المزارع والمراعي بعد أن فاجأتهم السيول بكميات غير معهودة من المياه أغرقت المزارع والمراعي بشكل سريع.

وبثت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع كثيرة لأغنام وحيوانات داجنة أخرى نفقت جراء سيول الفيضانات، ليس لمنطقة الغريقة فحسب، وإنما لكامل مناطق وقرى الجبل الأخضر، كالبياضة والوردية وقندولة والحنية وقصر ليبيا وبطة والقبقب وتاكنس وغيرها.

وفي هذا الشأن، يحذر الطبيب البيطري من منطقة البياضة، غيث العوجه، من خطورة الأعداد النافقة، والتي يقدرها بنحو مليون رأس على البيئة، خاصة مع ما يصفه بعدم الاكتراث حيالها بالشكل الكافي من الجهات المعنية.

وفي حديث مع “العربي الجديد”، يحذر العوجه أيضاً من المياه التي تسقى منها الأغنام والحيوانات الناجية، في ظل استمرار التحذير من خطورتها، مطالبا بتوفير جرعات تحصينية سريعة لما تبقى من المواشي في المناطق المتضررة.

وينقل بلحمد انزعاج مربي المواشي من ردم أغلب خزانات المياه الأرضية في المنطقة بسبب السيول والطمي الذي جرفته معها، مرجحا أن مثل هذه الواقعة لم تحدث منذ سنين طويلة، مستشهدا بوجود خزانات جوفية قديمة في بعض المناطق ترجع لعصور قديمة لم تردم تماما إلا الآن.

ووفق شهادة بلحمد، فإن الرعي في كل ليبيا يعتمد في المقام الأول على الأعلاف المركزة، إلا أن المراعي المتواجدة في الشريط الساحلي تتوفر على نحو ثلث احتياجات الأغنام السنوية بسبب مواسم المطر، وهي نسبة قد ترتفع أكثر في الجبل الأخضر بسبب أمطاره الأوفر وتربته الأخصب. لكن ما حدث بمصاحبة سيول فيضانات “دانيال” مؤخراً “لم يكن كذلك”، وفقا قوله.

ويوضح أن السيول جرفت أجزاءً كبيرة من التربة والطين، ولم ينته جريان المياه إلا بعد أن عرت المراعي في سفوح الجبال، مقدرا الأضرار التي لحقت المراعي والأراضي الزراعية، بنسبة تفوق الـ 70%.

وهي شهادة تتوافق مع شهادة جاب السكوري، المهندس الزراعي من البيضاء، الذي لفت إلى أن الخراب والدمار لم يقف عند هذا الحد “بل جرفت السيول من المرتفعات الجبلية الصخور والأحراش واقتلعت الأشجار وأثرت على الغطاء النباتي الذي اشتهر به الجبل الأخضر منذ آلاف السنين، بشكل ستتغير معه جغرافية المكان”.

وفي ظل غياب إحصائيات رسمية، يقدر السكوري في حديثه لـ”العربي الجديد” أن المنطقة المتضررة من السيول تضم قرابة 2.5 مليون رأس من الضأن، ما يشكل نحو 40% من الأغنام في عموم البلاد، بحسب تقديره.

وخلال الربيع القادم، يتوقع السكوري انخفاضاً كبيراً في المحصول الفلاحي والرعوي بكامل المناطق المنكوبة يفوق الـ 80%، مشيرا إلى أن التأثر سيشمل جوانب متعددة، منها ارتفاع أسعار لحوم الأغنام في الأسواق المحلية، بسبب اعتماد أغلب السوق الليبي على منتج المراعي في شرق البلاد من اللحوم، هذا بالإضافة لصعوبات في نقل المنتجات الفلاحية والرعوية بسبب انهيار طرق وجسور كثيرة جراء الفيضانات.

بل يحذر السكوري من بداية تأثر كامل المنطقة الشرقية من ذلك، وبالذات مدينة بنغازي ذات الكثافة السكانية الأكبر شرقاً، والتي رصد فيها بداية ارتفاع ملحوظ في أسعار الخضروات واللحوم، كما يقول.

وعدا عن ذلك، يشتهر الجبل الأخضر بتربية النسبة الأكبر من الأبقار في البلاد، بالإضافة لمعامل تربية الدواجن. وفوق كل ذلك يعتبر الجبل المصدر الأول لأجود أنواع عسل النحل الذي يتغذى على أنواع نادرة من نباتات الجبل الأخضر، وعلى غرار باقي القطاعات، فقد تأثر هذا النشاط الرائج شرق البلاد بموت النحل وفقدان مراعيه.

من ناحية أخرى، يفند المهندس الزراعي توقعات البعض بمحصول أوفر من الكمأ هذا الموسم قد يعوض بعض الخسائر المادية، مستندين إلى الأمطار الخريفية المبكرة التي تنبت هذا الفطر النادر والذي تروج سوقه في ليبيا ويصدّر بعضه إلى الخارج، مرجعا رأيه إلى انجرافات التربة والطين في بطون المناطق المنخفضة حيث ينبت الكمأ، وتقلص المناطق الملائمة لنموه.

ويعلق السكوري في لهجة استغراب قائلا إن “الكمأ كما غيره من المحاصيل لن يتأثر هذا الموسم بسبب نقص الأمطار، بل لكثرتها، في تناقض غريب جاءت به مياه العاصفة”.

وعلى الرغم من التداعيات الظاهرة لعاصفة دانيال على الثروة الحيوانية والرعوية في مناطق شرق البلاد، إلا أن أيا من سلطتي حكومتي البلاد، الوحدة الوطنية في طرابلس والمكلفة من مجلس النواب في بنغازي، لم تصدر أي مواقف أو بيانات توضح حجم الخسائر في القطاعين.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى