العربي الجديد-
انتهى موسم جني الزيتون في ليبيا ليبدأ موسم البحث عن الكمأ، وكلاهما يمثل فرص عمل موسمية للشباب، خصوصاً أولئك الذين يعانون البطالة وعدم توفر فرص العمل في القطاع العام أو الخاص.
بعد انتهاء موسم جني الزيتون، استعد فؤاد المناعي وأبناء عمومته الستة للانتقال من منطقتي ترهونة ومسلاته اللتين تكثر فيهما هذه المزارع إلى منطقة الحمادة الحمراء من أجل الانضمام إلى فرق البحث عن الكمأ.
يقول المناعي لـ”العربي الجديد”: “لم نأتِ إلى منطقة الحمادة الحمراء كهواة للبحث عن الكمأ، بل لجمع كميات كبيرة منه بهدف بيعه”. يضيف: “ثلاثة من أبناء عمومتي باشروا العمل في المواسم الزراعية منذ بدء موسم جني التمور في سبتمبر الماضي. ولم ينضم باقي أفراد مجموعتنا إليهم بسبب عدم درايتهم بكيفية التعامل مع النخيل، لذا كان موسم جني الزيتون هو ما جمعنا كلنا”.
وتعود تجربة المناعي في العمل بحصاد المواسم الزراعية إلى ست سنوات مضت، حين بدأ نشاطه في جني الزيتون بأراضي مناطق سيلين ومسلاته.
وإثر نجاح تجربته انضم إليه أبناء عمومته حتى وصل عدد مجموعتهم الى سبعة شبان، وأكثرهم، كما يقول المناعي، من خريجي الجامعات الذين يعانون من عدم الحصول على فرص عمل تسمح بتأمين معيشتهم.
ويعتبر المناعي العمل في جمع الكمأ فرصة أهم، “ففي مواسم جني الزيتون والتمور يقتسم الإنتاج عادة مناصفة مع أصحاب المزارع، وهو يستهلك فترة زمنية طويلة في العمل، أما جمع الكمأ فلا يشاركنا به أحد، ومكاسبه أكبر”.
وتعد الحمادة الحمراء التي تبعد مسافة 500 كيلومتر من جنوب غربي طرابلس من هضاب البلاد الصحراوية، وتمتد على مساحة تتجاوز 84 كيلومتراً مربعاً، ويعتبرها سكان غربي ليبيا منجماً مهماً لجمع الكمأ الذي يتكاثر بعد موسم سقوط الأمطار.
وباعتبارها أرضاً مشاعاً لا يشارك المناعي وأبناء عمومته في محصولهم أي شخص، علماً أن العمل في هذه الأرض يخلق فرصة للتنزه أيضاً بالنسبة إليهم، وتحقيق مكاسب مالية جيدة باعتبار أن شركات خاصة تتعاقد مع جامعي الكمأ لشراء محاصيلهم.
ويدر موسم الزيتون والكمأ السنوي على المناعي ورفاقه دخلاً لا بأس به، وهو يعلق بأن “كل منا يملك هدفاً من التصرف بحصته، فأنا أعمل مثلاً لإنجاز أعمال منزل أسرتي الصغيرة، إذ لم أعد أعتمد على انتظار قروض سكنية حكومية، أو على رواتب وظيفية حتى إذا كانت كبيرة”.
بدوره استطاع فيصل المزداوي، وهو موظف حكومي، تطوير عمله في موسم جمع الكمأ الذي يهدف من خلاله إلى زيادة دخله. وبعدما كان يبذل جهداً فردياً أصبح اليوم يضم إخوته للعمل ضمن مجموعة. ويقول لـ”العربي الجديد”: “اشترينا سيارة دفع رباعي مناسبة للتنقل في مناطق الحمادة الوعرة، ولم نعد نبيع محصولنا للتجار فقط، بل باتت لنا علب عليها شعارنا الخاص ما يجعل عملنا أكثر تنظيماً ويسمح لنا بأن نحدد أسعاراً تناسب الجهود الكبيرة التي نبذلها”.
وإذ يقر المزداوي بأن مثل هذه الفرص موسمية، لكنه يعتقد بأنه يمكن أن يستثمرها في شكل أفضل، ويقول: “أتفاوض مع تجار، ويتولى أفراد أسرتي في البيت مهمات التغليف ووضع المنتج في علب، وذلك بعد الرجوع من موسم الجمع، ويتولى اثنان من إخوتي الآن عملية الجمع”.
إلى ذلك، يتحدث أحمد الأرقط، وهو خبير في جمع الكمأ، لـ”العربي الجديد”، عن انتشار أنواع كثيرة من الكمأ في مناطق ليبيا، لكنه يشير إلى وجود أنواع عالية الجودة يقبل التجار على شرائها لتصديرها إلى عدة دول، بعضها في الخليج.
ويلفت إلى أن ارتفاع أسعار الكمأ دفع الشباب إلى الإقبال على تعلم طريقة جمعه وتوفير الإمكانات اللازمة له، ويقول: “يجب أن تشجع السلطات هذه النشاطات في إطار المساعي المبذولة لتعزيز التنمية، وفتح آفاق عمل أمام الشباب”.
ويؤكد وجود أنواع من الكمأ غالية الثمن، “لكن خبراء في المنطقة لا يسمحون بوصول الشباب إلى مناطق أنواع قد يصل ثمنها إلى 100 دولار للكيلوغرام الواحد”، مبدياً رفضه لظاهرة احتكار مجموعات مسلحة لأراضي الكمأ في الحمادة الحمراء، ومنع الشباب من البحث فيها، أو استغلال جهودهم لشراء الكمأ بأسعار رخيصة.
