بوقرين بعيدة…
* كتب/ حسن الأشلم
من بنغازي، ومع مغيب شمس ذلك اليوم الشتوي البارد وصل خبر وفاة العم العزيز الغالي… بعد صلاة العشاء لملمت العائلة شتاتها على عجل… وشدت الرحال باتجاه الشرق لحضور مراسم الدفن والعزاء… وضعت النساء في صندوق البيجو… الذي فرش بحصير الديس… وأقفلت الخيمة عليهن بإحكام… تحركت القافلة تقطع الجوبة البعيدة… النساء لم يغادرن حدود القرية سابقا… لكنهن يسمعن يأن بنغازي بعيدة، بعيدة جدا… السيارة تخب خبيبا… الوقت يمر بطيئا في عتمة الخيمة المزدحمة… والطريق لا تريد أن تنتهي… وخلال هذه المدة لم تتوقف الحاجة مبروكة عن إسداء النصائح لفريقها:
– “اسمعن ما تحشمنش بينا قدام الناس، راهو سبرهم غادي العياط على الميت على قدر المحبة، أول ما نَوصلوا مع بعضنا عيطة وحدة”…
داهمن النعاس ولم يشعرن بشيء إلا والسيارة قد توقفت… استرقت الحاجة مبروكة النظر والسمع من شق الخيمة… رأت تجمعا للسيارات، وبعض الرجال يقفون بجانبها… ورأت أضواء أحدها مبهر جدا، يبدو أنه كشاف… التفت إليهن:
-يا بنات وصلنا العزي هيا.. أبدن…
علا صراخهن المتواصل… الذي لم يهدأ… لإظهار حجم الفجيعة، ومقدار المحبة للفقيد الغالي…!. عمت الفوضى المكان… تجمع الرجال.. تقدم الحاج فرج مسرعا.. يضرب على جانب السيارة.. ويصرخ مخاطبا الحاجة مبروكة:
– خير بلاكن من هي اللي ماتت؟…
ردت عليه:
– نعيطوا ما هو وصلنا للعزي…
– سكتيهن يا همي… مازلنا في بوقرين بنعبوا بنزينة…!.
واضح أننا شعب يفتقر إلى القدرة على تقدير المسافات، وكل فرد منا يرى في نفسه مركزا لهذا الوطن المترامي الأطراف… ولذلك انشدت تلك الجدة في الزمن الغابر… بوقرين بعيدة.. على الله تروح يا مفارق ريده… وبوقرين بعيدة…!.