عربي 21-
قال المدير العام لمجلس التطوير الاقتصادي والاجتماعي رئيس حزب “العمل الوطني” الليبي، محمود الفطيسي، إن هناك وساطات داخلية وخارجية الآن تبحث عن حل وسط لإنهاء الأزمة بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ووزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، الذي كلفه البرلمان بتشكيل حكومة جديدة.
وأوضح، في مقابلة خاصة مع “عربي21″، أن مجلس أعيان وحكماء بلدية مصراتة (شرق العاصمة طرابلس) يسعى في هذا الاتجاه، وقد اجتمع مع الطرفين (الدبيبة وباشاغا) بالفعل، ويريد تقريب وجهات النظر بينهما، لافتا إلى أن هناك دعوة تركية للدبيبة وباشاغا للقاء يجمع بينهما في أنقرة.
لكن الفطيسي، الذي شغل سابقا منصب وزير الصناعة، يرى أن المعادلة الآن تقول إن الدبيبة هو الأقوى، مؤكدا أن “الخاسر الوحيد والرئيسي من قرار البرلمان هو فتحي باشاغا، لأنه فقد كثيرا جدا من قاعدته الشعبية”.
وتاليا نص المقابلة الخاصة:
كيف استقبلت اختيار مجلس النواب لفتحي باشاغا رئيسا لحكومة جديدة؟
هذا الموضوع جاء نتيجة مناكفات سياسية؛ فعندما خسر رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، والسيد فتحي باشاغا رهانهما السياسي في «جنيف» قررا الترصد لحكومة الوحدة الوطنية، فوضعا لها موعدا وهو يوم 24 ديسمبر لإجراء الانتخابات، وقررا إسقاط الحكومة إن لم تجرِ هذه الانتخابات في هذا الموعد، وبالفعل هذا ما حدث بكل أسف، وهو الأمر الذي قد يدخل البلاد في سلسلة جديدة من المناكفات والخلافات المحتدمة، وربما نرى خلال المرحلة المقبلة حكومتين، إحداهما في طرابلس، والأخرى في بنغازي أو في سرت، وهو ما يرفضه الشعب الليبي بالطبع.
والشعب الليبي الآن جاهز للانتخابات، ولا يحتاج إلى فترة انتقالية جديدة، فبالإمكان إقامة انتخابات مجلس نيابي جديد خلال 6 أشهر على الأكثر، ثم الاستفتاء على الدستور، ومن ثم ننتقل لمرحلة الاستقرار، وتنتهي الفترات الانتقالية التي لم تجلب لليبيين سوى الفساد والخراب.
البعض يعتبر قرار مجلس النواب بمثابة محاولة لشق صف مدينة مصراتة عبر استخدام بعض أبنائها (إشارة إلى باشاغا) في تنفيذ مشروع يهدف إلى “تمكين الانقلابيين” من السيطرة على طرابلس.. إلى أي مدى تتفقون مع هذا التصور؟
بالطبع قد تكون هناك أهداف خفية حول هذا القرار، لكن الظاهر -كما يرى البعض- أن هناك اتفاقا بين الشرق الليبي وغربه، باعتبار فتحي باشاغا شخصية قوية في الغرب الليبي، وحفتر شخصية قوية في الشرق، ومن خلال التقارب بينهما يتم توحيد البلاد.
وهناك مَن يرى أن باشاغا ربما يكون “جسرا” لدخول حفتر إلى المنطقة الغربية، وهو ما ترفضه القوات العسكرية رفضا باتا، حتى في مصراتة نفسها، والتي انقسمت بين أقلية مؤيدة لباشاغا، وأغلبية كبيرة جدا رافضة له، وهو ما يعني عدم التأثير الكبير على موقف مصراتة أو المنطقة الغربية بشكل عام، والخاسر الوحيد والرئيسي من هذا القرار هو فتحي باشاغا، الذي خسر كثيرا جدا من قاعدته الشعبية.
برأيك، هل سينجح عقيلة صالح وفتحي باشاغا، وخليفة حفتر في هذا “المخطط” كما تراه؟
في ظل الأجواء الحالية التي تتزامن مع الاحتفال بالذكرى الحادية عشرة لانطلاق الثورة الليبية، فإن الأوضاع تشير لفشل هذا المخطط؛ فهناك اتفاق كبير داخل المنطقة الغربية على عدم قبول هذا السيناريو، مع استكمال حكومة الوحدة الوطنية عملها لمدة 6 أشهر حتى إجراء الانتخابات، والآن هناك مطالبات واسعة داخل جميع المدن الليبية بإسقاط مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وقد رأينا مظاهرات في مدينة القبة – مسقط رأس عقيلة صالح – ترفض استمرار مجلس النواب؛ فهناك حراك – على استحياء – داخل المنطقة الشرقية، ونراه بشكل أكبر في المنطقة الغربية ضد مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ويطالب بإجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن.
البعض ألمح إلى استعداد القوى العسكرية “للدفاع عن الشرعية”.. فهل هناك احتمالية لتجدد الصراعات المسلحة مرة أخرى؟
لا أعتقد ذلك؛ فالليبيون سئموا الحرب، ولأن ميزان القوة لم يعد متكافئا، وميزان القوة الآن في صالح حكومة الوحدة الوطنية، وليس في صالح حكومة الاستقرار – كما يسمونها – وأيضا بسبب الوجود العسكري الأجنبي، والذي يعتبر صمام أمان لعدم اندلاع حرب بين الشرق والغرب.
ما تقييمكم لموقف المجلس الأعلى للدولة من هذه التطورات؟
مع الأسف، المجلس الأعلى للدولة جُر إلى حتفه؛ فالسيد خالد المشري كان يحظى بشعبية كبيرة من أنصار 17 فبراير، لكن تحالفه مع عقيلة صالح خلال الأيام الأخيرة أفقده الكثير منها، وقد انقسم أعضاء المجلس الأعلى حول القرارات الأخيرة بين التأييد والرفض، وأصبح المجلس الآن غير مرغوب فيه مثل مجلس النواب، وهناك مطالب كثيرة بإسقاطه؛ فقد سقط مجلس الدولة سقطة كبيرة ومروعة عندما فشل المشري في قراءة المشهد قراءة صحيحة.
ما الذي دفع خالد المشري للتحالف مع عقيلة صالح؟
أعتقد أن السبب هو الرغبة في الاستمرار في السلطة؛ فكلاهما مستفيد من خارطة الطريق التي عرضها مجلس النواب، والتي تقترح مد المرحلة الانتقالية 14 شهرا، والتي قد تستمر 14 عاما، وكأنهم يتلذذون بالسلطة على حساب الشعب الليبي.
البعض يشبّه باشاغا بـ “حصان طروادة” لصالح حفتر والانقلابيين كي ينفذوا من خلاله للعاصمة.. ما تعليقكم؟
هذا تشبيه مُبالغ فيه، وأنا لا أشك في نوايا باشاغا؛ فهو أحد رجالات فبراير، وهو يحاول أن يجتهد، وأتمنى أن يعود إلى رشده، ويتبين حقيقة الأمر، لأن حفتر يريد الحكم فقط، ولا يريد بناء الوطن، والجميع الآن -حتى من بعض أنصار باشاغا- يطالب حفتر أن يخرج ويعلن للشعب اعتذاره عما اقترفه في حق البلاد من تدمير وغير ذلك، وهذا ما لن يحدث، وسيخسر باشاغا بسببه كثيرا من شعبيته، وهناك بالفعل في مصراتة الآن مَن يصف باشاغا بالخيانة، ويطالب برحيله.
ما تقييمكم لموقف القوى الخارجية تجاه قرار اختيار باشاغا رئيسا للحكومة؟
أعتقد أن مصر وفرنسا داعمان لباشاغا بقوة، باعتبار أن حفتر وباشاغا عسكريان وبإمكانهما توحيد البلاد من خلال توحيد قواتهما العسكرية، وهو ما يثلج صدر النظام المصري الذي يرغب في تولي حفتر لسلطة كبيرة في ليبيا، فإن لم يكن على رأس السلطة، يترأس على الأقل وزارة الدفاع.
لكن في المقابل نرى الإمارات، وقطر، وتركيا لديهم تحفظات على هذا المخطط، وربما تركيا تنظر للموضوع الآن بشكل “براغماتي” نوعا ما بعد تقاربها الأخير مع الإمارات ومصر، والدول بشكل عام تتغير مواقفها حسب مصالحها، فإذا رأت أن باشاغا في موقف القوي سيناصرونه، وإذا رأوا غيره في موقف أقوى ساندوه، فالعالم يحرص على مصالحه ولا يهمه أسماء الأشخاص.
برأيك، مَن سيكون في الموقف الأقوى والذي سينال رضا المجتمع الدولي خلال الأيام القادمة: باشاغا أم الدبيبة؟
المعادلة الآن تقول إن الدبيبة هو الأقوى، لكن ربما تتغير الموازين في وقت لاحق، وهناك وساطات تتحدث عن حل وسط بين الأطراف، لكن الدبيبة مُصر على عدم تسليم السلطة حتى شهر يونيو لحين إجراء الانتخابات، وإن كانت الانتخابات مطلبا دوليا إلا أن بعض الدول ترى أن إجراء الانتخابات أمر مستحيل خلال شهر يونيو، وترى في بقاء عقيلة صالح- باشاغا ضمانا لمصالحها.
مَن يقوم بهذه الوساطة؟
هناك وساطات داخلية حتى الآن، وقد سمعنا عن دعوة تركية للسيد عبد الحميد الدبيبة ولفتحي باشاغا للقاء يجمع بينهما في أنقرة.
وماذا عن الوساطات المحلية؟
مجلس حكماء مصراتة يسعى في هذا الاتجاه، وقد اجتمع مع الطرفين بالفعل، ويريد تقريب وجهات النظر بينهما.
وأعتقد أن الوضع سيبقى متأرجحا حتى شهر يونيو المقبل، والذي يُعتبر نهاية خارطة الطريق، وفي حال إجراء الانتخابات لن يكون هناك مبرر لوجود الدبيبة.
وما مدى نجاح هذه الوساطات؟
كلاهما متمسك بموقفه حتى الآن، لكن قد تتغير الأمور بعد حين، وسيتنازل أحدهما عندما يشعر أنه سيخسر شعبيته، وعندها سيقرر أن يخرج بشكل مشرف على أن يخرج مهزوما.
بوصفكم وزيرا سابقا للصناعة، كيف ترون واقع ومستقبل الصناعة في ليبيا اليوم؟
كما هو معلوم أن الصناعة في الماضي كانت قائمة على القطاع العام، والقطاع العام الآن يعاني، مما أفسح الطريق للقطاع الخاص، لكن التشريعات القديمة هي التي تحكم عملية الصناعة حتى الآن، ومجلس النواب – مع الأسف – لم يعر تلك التشريعات أي اهتمام، فجُل اهتماماته المناكفات السياسية، وقطاع الصناعة شأنه كشأن أي قطاع آخر يحتاج إلى الاستقرار، ونحن حتى الآن في “مرحلة الثورة” ولم نؤسس الدولة بعد، وهذه العملية أو المرحلة استنفدت كثيرا من الوقت، وهذه نتيجة طبيعية للخروج من حكم شمولي دام قرابة 40 عاما حتى أكل الأخضر واليابس؛ فليبيا الآن تحتاج لاستقرار، ودستور حتى تنهض.
وإجمالا نؤكد أن مستقبل أي قطاع إنتاجي أو خدمي يتوقف على الاستقرار الأمني ووجود حكومة رشيدة تملك رؤية وخططا على المدى القصير والمتوسط.
إلى أين وصلت المساعي الرامية لإعادة تشغيل المصانع والشركات العامة في ليبيا، والتي تضررت كثيرا بعد سنوات الحرب؟
قطاع الصناعة كان يعاني قبل اندلاع الثورة بسبب عدم امتلاك النظام السابق استراتيجية لهذا القطاع وغيره من القطاعات. والصناعات الكبرى في ليبيا هي صناعات الحديد والصلب، والإسمنت، وكلاهما في وضع جيد، وربما نصل للاكتفاء الذاتي، بل وتصدير الفائض من الحديد، أيضا هناك صناعة البتروكيماويات في رأس لانوف والبريقة، أما الصناعات الصغيرة الخاصة بالقطاع العام فقد حل محلها نظيرها من القطاع الخاص، وفي مقدمتها الصناعات الغذائية، وقد برز القطاع الصناعي الخاص خلال الفترة السابقة، وهو ينمو يوما بعد يوم.
عقب تكليفكم بإدارة المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي والاجتماعي.. ما رؤيتكم لكيفية النهوض بهذا المجلس؟
المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي والاجتماعي تأسس في عام 2006 ضمن برنامج «ليبيا الغد»، الذي أسسه سيف القذافي، وكان الغرض من هذا المجلس قيادة الإصلاح داخل البلاد على غرار مجالس الإصلاح التي أنشئت في سنغافورة، والبحرين، والإمارات، وغيرها.. والتي كان لها دور في تقدم تلك البلدان، فأردنا أن ننفض الغبار عن هذا المجلس وإعادة ترتيب أوراقه؛ فقد أنشئ المجلس بالتعاون مع مؤسسة مونيتور جروب، والتي أسسها البروفيسور في مدرسة هارفرد للأعمال مايكل بورتر، وهو أحد القادة النافذين في مجال إستراتيجية الشركات وتنافسية الدول والمناطق.
لكن هذا المجلس لم تتح له الفرصة كاملة للعمل والانطلاق نتيجة الصراع القائم في ذلك الوقت بين الإصلاحيين وبين الحرس القديم في نظام القذافي (أنصار سيف القذافي في مقابل أنصار والده)، لكن بشكل عام كنت أنا ضمن مؤسسي هذا المجلس عام 2006، والآن وضعنا رؤية ورسالة جديدة لهذا المجلس، وعرضنا برنامجنا على حكومة الوحدة الوطنية، باعتبار دورنا الكبير خلال المرحلة القادمة في تقديم النصح والمشورة للحكومة، وسيكون بمثابة عقل الحكومة؛ فرئيس المجلس هو رئيس الوزراء.
ما أبرز التحديات التي تواجه عملكم؟
التحديات كلها متعلقة بالاستقرار العام في البلاد، ونظرة رئيس حكومة الوحدة الوطنية للمجلس نظرة تفاؤلية؛ لأنه يريد أن يستفيد من المجلس، لكن لا نعلم كيف ستكون نظرة أي رئيس حكومة يأتي من بعده، وذلك لغياب الرؤية الموحدة لمَن يتسلمون السلطة، وهو ما يبقى عائقا أمام عملنا، لذا نحن نعمل الآن على وضع خطة استراتيجية متوسطة وطويلة المدى وتنفيذ هذه الخطط يحتاج إلى وقت كاف لكي ترى النتائج.
هل نجحت حكومة الدبيبة في استكمال تنفيذ مشروعات التنمية المتوقفة؟
يمكننا القول إن الحكومة لم تبدأ بعد؛ فعمرها قصير جدا، وتواجه تحديات ومشاكل مختلفة، ولهذا لا نطلب منها استكمال هذا البرنامج كبير الحجم والذي يحتاج إلى ميزانية ضخمة وزمن لا يقل عن عشر سنوات، بينما تحقق الحكومة بعض قصص النجاح البسيطة والتي يمكن لها أن تؤثر إيجابا على حياة المواطن.