الرئيسيةالراي

رأي- هزلية المعارك عند المتعالمين..

* كتب/ خليفة البشباش،

شهدت مغمداس؛ وهي بلدة ضاربة في القدم، قرب مدينة سرت حاليا، أحداثا ووقائع هامة في بداية العصر الإسلامي في ليبيا وبلاد المغرب، خاصة في القرون الثلاثة الأولى للهجرة، على صاحبها أزكى الصلاة والسلام.

ذات زمان، وفد على مغمداس هذه رجل غريب، كان يتخذ من طرقاتها مسكنا، يستوقف الغادين والرائحين ويسأل عمن لقي أحدا من الحفاظ، او يحمل في قلبه آية من القرآن، يكتبها في لوح ويذهب ليحفظها.

ويرجع في صباح اليوم التالي ليمد خطوه من جديد، ويقصد السابلة ويستوقف الناس، ويجدّ في المسألة، لا يطلب طعاما ولا مالا، إنما آيا وقرآنا ليكتبه ويحفظه، ويعود من قابل ليكرر المشهد، بلا كلل ولا ملل.

وقتها لم يكن هناك مصاحف بعد، ولا مقارئ ولا وسيلة ليحفظها.. لكن ذلك لم يمنعه، ومن عرف عظم مراده لم تعجزه الوسائل.

كان هذا الرجل يدعى عمر بن يمكتن، وسيترك مغمداس يوما ويعود إلى بلدته أفاطمان، وسيصبح أول من يعلم القرآن في جبل نفوسة، وأول من ينشئ مدرسة قرآنية في تاريخ ليبيا، ولو ذهب المرء إلى أنه صاحب أقدم مدرسة متكاملة لتعليم القرآن نعرفها في تاريخ بلاد المغرب الإسلامي كله، لما ابتعد كثيرا عن الصواب

وسيدين ألوف بل ملايين من الحفاظ والقراء في نفوسة، وليبيا كلها، على مدى قرون طويلة بالفضل لهذا الرجل، وستظل مدرسته منارة لقرون طوال، وسنّة حسنة سارت عليها كل القرى والمدن، ويرجى أن يكتب الله له من أجورهم نصيبا وافرا.

لقد سقط بن يمكتن -وليس في ذلك وحيدا- من أسطر كتبة التاريخ الثقافي والتعليمي في ليبيا، كما سيتجنب ذكره بعض المختصين في علوم القرآن وتاريخها في هذا القطر، ولذلك سبب ما.

لقد كان عمر بن يمكتن نفوسيا، أمازيغيا، إباضيا، وسيدا في قومه، حاملا للوائهم في السلم وأيام الحتوف، عاش حياة حافلة، وكتب نهاية ملحمية لقصته فقتل في معركة.. وقد اختار البعض أن يغض الطرف عنه وعن أمثاله.. ويتنكر لفضلهم، لكن دعني أخبرك بأمر، هذا لا يغير شيئا.. نحن وملايين مدينون لهذا الرجل وأمثاله.. وسيبقى الأمر كذلك حتى آخر الدهر.

مثلما تدين كتب الحديث وعلى رأسها الصحيحان، لمئات الرواة من كل المذاهب والفرق التي يمكن أن تخطر على بالك، وغيرهم، ولذلك قال عليّ بن المدينيّ يوما: “لو تركت أهل البصرة لحال القدر، وتركت أهل الكوفة لذلك الرّأي.. لخربت الكتب”

وأقول هنا للبعض.. لو طرحت من أحاديث الكتب الستة ماكان في رواته خوارج وجهمية و”أهل أهواء” كشيخ البخاري علي بن الجعد، وتركت شراحها كالنووي وابن حجر لأنهم أشاعرة ضلال ينكرون العلو والصفات، وتركت من المفسرين أشهرهم كالراغب الأصفهاني والزمخشري لرميهم بالتشيع والاعتزال، وتركت كتب الأخلاق لأن من ألفها متصوفة كزروق أو متفلسفة كابن رشد، وتركت جل التراث الإسلامي لأن هذا كذا وذاك اتهم بكذا.. هل تعلم ماذا سينتج عن ذلك؟

بالضبط..

سينتج عن ذلك ظهور جهلة كبعض من عندنا، لا يحسنون حتى الكتابة والقراءة، ينصبون الفاعل ويجرون الخبر، ولا يفرقون بين لام ونون، ولا يعرفون عن الملل والنحل إلا قصاصات مبتورة يتداولونها على الواتساب، يُسب خالقهم ويباد أهلوهم وتدنس بيوت ربهم في غزة، وهم يقاتلون طواحين الهواء ويخترعون معارك هزلية.

إن بروز أمثال هؤلاء.. هو أمر يليق بهذا الزمان.. زمن الجهل والانحطاط.. فبيضي واصفري يا هيئة الأوقاف!

للكاتب أيضا:

رأي- لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى