عربي 21-
نشرت مجلة “اتلايار” الإسبانية تقريرا حللت فيه الوضع الحالي في ليبيا وكيفية تأثير ماضي نظام القذافي على البلاد والتحديات التي تواجهها.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي أعده الكاتب إنريكي فيرنانديز، وترجمته “عربي21″، إنه بعد الإطاحة بالقذافي في سنة 2011 وفي أعقاب حرب أهلية دامية تدخلت فيها دول أجنبية مختلفة تعاني ليبيا الآن انعدام أمن سياسي كبير.
أعلن خالد المشري، الذي يترأس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا منذ 2018، ترشحه في مواجهة المعارضة لأن بعض أعضاء المجلس ألمحوا إلى أنه يستخدم السلطة النابعة من منصبه لتحقيق مكاسب شخصية. وتجدر الإشارة إلى أن النظام السياسي الحالي في ليبيا فاسد بشكل عميق ولا يسعه فعل شيء سوى الانهيار، بحسب المجلة.
وُلد محمد تكالة في منطقة الخمس على بعد 100 كيلومترا شرقي طرابلس سنة 1966 ونشأ هناك. عمِل مهندس حاسوب، وبدأت حياته السياسية عندما انتخب عضوا في المجلس المحلي لبلدته سنة 2011، بعد الإطاحة بالقذافي. وفي سنة 2012، تم انتخابه لدمج المؤتمر الوطني العام، الهيئة التشريعية في ذلك الوقت. بعد أربع سنوات، وتحديدا في سنة 2016، انضم إلى لجنة الحوار بمجلس الدولة. وفي سنة 2020، انضم إلى منتدى الحوار الوطني السياسي الذي انتخب في فبراير 2021 عبد الحميد الدبيبة.
ذكرت الصحيفة أن المشري، الذي يعد أحد كبار الشخصيات في جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، وأحد أكثر منتقدي رئيس وزراء طرابلس، سيترك المشهد السياسي. ولتجنب إعادة انتخاب المشري، كان رئيس الوزراء يتفاوض منذ أيام من أجل تشكيل “حكومة مصغّرة” جديدة مكلّفة بتوجيه الأمة نحو الانتخابات، وذلك حسب ما نقلته وكالة نوفا الإيطالية عن مصادر في مجلس النواب الليبي.
تفاوت الآراء
مع أن نصف التمثيل السياسي الليبي يرى في محمد تكالة أملا، ينتظرونه منذ نهاية سنة 2021 في الجناح الغربي للبلاد، إلا أن المشاعر متناقضة وخير دليل على ذلك التحليلات التي نشرتها وكالة الأنباء “نوفا” لكل من جلال حرشاوي، عضو مشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة؛ وكلوديا غازيني، كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية؛ وطارق المجريسي، زميل سياسي أول في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
أوضح المجريسي أنه “من المتوقع أن ينتهي الارتباط الوثيق القائم منذ سنتين بين مجلس النواب ومجلس الدولة بهذه الانتخابات”. ورغم إمكانية التوصل إلى استنتاجات مختلفة حسب اختلاف وجهات النظر، إلا أن الانقسامات بين المنطقتين الغربية والشرقية يمكن أن تتفاقم نتيجة للتغيير في المجلس الأعلى للدولة. وتوقّع المجريسي أن فوز تكالة سيوسّع الفجوة بين الشرق والغرب، مع تقريب مجلس الدولة من مكتب رئيس الوزراء الدبيبة. ويؤكد المجريسي أن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، “سيجد بالتأكيد طريقة لمواصلة خططه”، ومن بينها تنصيب حكومة موحدة جديدة لتحل محل الحكومة الحالية.
ووفقا للمجيرسي، “يبدو أن الدبيبة دعم الرئيس الجديد مما ساهم بلا شك في فوزه الانتخابي. إلى جانب استخدام الأموال وسهولة الوصول إلى الأموال العامة كوسيلة ضغط، يمكن لرئيس الوزراء أيضًا أن يبث الخوف في صفوف رعاياه”. وأضاف المجريسي “قبل الأحداث المهمة، كانت هناك حالات لمضايقات أعضاء مجلس الدولة”. في هذه المرحلة، يبدو مسار الانتخاب أشبه بلعنة.
بالنسبة لغازيني، من السابق لأوانه توقّع ما سيفعله الرئيس الجديد للمجلس الأعلى للدولة. وقد أوضحت: “لقد كان تكالة من الموقعين الذين أيدوا اقتراح فتحي باشاغا لرئاسة تنفيذية جديدة إلى غاية سحب مجلس الدولة دعمه قبل أيام، وسبق أن أيد فكرة تشكيل حكومة موحدة جديدة”.
من جهته، أكد حرشاوي أن مصادقة المجلسين على قانون الانتخابات الجديد “غير مرجح إلى حد كبير” وأن خروج المشري من المشهد السياسي من شأنه أن “يعزز موقف الدبيبة” أكثر من تنصيب تكالة. وأشار حرشاوي إلى أن “العديد من الليبيين يشيرون إلى أن تكالة تربطه علاقات ودية مع الدبيبة”، مؤكدا أنها تظل انتصارا لرئيس الوزراء لأن “المشري سيختفي من الساحة سياسيا”.
وتابع حرشاوي أن “الرئيس المنتخب حديثا سيحتاج إلى وقت لدراسة جميع ملفات مجلس الدولة، لا سيما فيما يتعلق بلجنة 6 + 6 المكونة من ستة أعضاء في مجلس الشيوخ وعدد من أعضاء مجلس النواب لصياغة القوانين الانتخابية”.
ليبيا القذافي (1969-2011)
أوردت الصحيفة أنه لم ينجح أي زعيم في البقاء على رأس السلطة في ليبيا مثل معمر القذافي. ووحده الموت الذي أطاح به من السلطة التي ظل فيها ما يقارب 42 عامًا (1969-2011). عند وصوله إلى سدة الحكم من خلال انقلاب، ألغى القذافي النظام الملكي معلنا قيام الجمهورية العربية الليبية. وبعيدا عن أفكار الديكتاتور، بدأ الزعيم الجديد للأمة الليبية إحداث ثورة في اقتصاد البلاد من خلال إصلاحات تعليمية وصحية مهمة سمحت للشعب الليبي بتحقيق أحد أعلى متوسطات العمر المتوقع في القارة الأفريقية منذ 77 سنة.
وبصفته الأمين العام للمؤتمر العام، حافظ القذافي على المرتبة الأولى في صنع القرار بينما ناقش المواطنون في اللجان الشعبية العامة اللوائح والقرارات التي وافق عليها الكونغرس، كونها تجسيدًا لما أسماه القذافي “سلطة الشعب”.
وباعتباره زعيما ذا أفكار واضحة، أقام القذافي اقتصاد الثورة الليبية على عائدات النفط. ومع ذلك، كانت احتياطيات النفط قليلة مقارنة باحتياطيات الدول العربية الرئيسية المنتجة للنفط. لذلك، كانت ليبيا أقل استعدادا لتقليل مطالبها لزيادة الأسعار وأكثر استعدادا لفرض قيود على الإنتاج لحماية مواردها الطبيعية من الدول الأخرى. وكان يعتقد أن النفط يمكن أن يستخدم كسلاح سياسي في الصراع العربي مع إسرائيل، وكذلك وسيلة لتمويل التقدم الاقتصادي والاجتماعي لدولة شديدة التخلف.
وقد تزامنت الزيادة في الإنتاج التي أعقبت ثورة 1969 مع مطالب الليبيين بارتفاع أسعار النفط، والمزيد من الانخفاض في الأرباح، والسيطرة الأكبر على تطوير صناعة النفط في البلاد.
ليبيا ما بعد القذافي (2011 إلى الوقت الحاضر)
بعد ثورات الربيع العربي، أصبحت ليبيا دولة مشتتة السلطة وتعاني من عدم الاستقرار السياسي المستمر حتى يومنا هذا.
وأوردت الصحيفة أن الاستقرار السياسي المتوقع لم يتحقق بعد. ورغم إجراء انتخابات في سنة 2012 بمشاركة 62 بالمئة، إلا أن الخلافات المستمرة على السلطة أدت إلى إجراء انتخابات مرة أخرى بعد سنتين. وفي الأثناء، قرر الشعب إظهار عدم موافقته على المؤسسة السياسية، وبالكاد يمارس 600 ألف شخص، 18 بالمئة من التعداد الانتخابي، حق التصويت. وكل هذا الانقسام والسخط جعل هذه الانتخابات السبب الرئيسي في تقسيم البلاد إلى منطقة شرقية وأخرى غربية.
إلى غاية ظهور الحكومة بدعم من الأمم المتحدة ضمن هذا التكتل من الجهات الفاعلة، ظهر في كانون الأول/ديسمبر 2015 مركزان مختلفان للسلطة يستجيبان لبعضهما البعض على أساس العناصر الجغرافية والتاريخية والاقتصادية والثقافية: حكومة في إقليم طرابلس وأخرى في برقة. هذا بالإضافة إلى صعود النخب السياسية والعسكرية بدافع الرغبة في السيطرة على موارد الدولة في ظل صعوبة تنظيمها.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد 12 سنة من الإطاحة بالقذافي، يبدو مستقبل ليبيا مجهولا ما أدى إلى نشأة نظام مؤسسي فرض حالة من الفوضى والاضطراب في البلاد. وفي دولة نخبوية، غالبا ما تكون صراعات السلطة أكثر قابلية للإدارة حيث ينتهي الأمر بالموارد في أيادي أقل، وبالتالي تركيز أكبر للسلطة. وفي دولة تسعى إلى الريع حيث تشكل الهيدروكربونات المصدر الرئيسي للدخل، يجب أن تتركز الطاقة في أيدي عدد قليل من الأشخاص. وبالتالي، يُقترح أن التحالفات والنفط هما العاملان الأساسيان اللذان سمحا بوضع النخب الشرقية فوق البقية.