الأناضول-
على الرغم من استمرار إغلاق سفارتها بطرابلس منذ أكثر من 10 سنوات نتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية في العاصمة الليبية، غير أن الحراك الدبلوماسي للولايات المتحدة الأمريكية ازدادت وتيرته بشكل ملحوظ خلال العام الحالي، حيث شهدت طرابلس وبنغازي عدة زيارات لمسئولين أمريكان منهم باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ومدير وكالة الاستخبارات الأمريكية ويليام بيرنز.
وأجرت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط في 21 مارس الماضي عدة مباحثات مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وقائد قوات الشرق الليبي خليفة حفتر ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري.
من جانبه، زار وليام بيرنز ليبيا منتصف يناير من نفس العام، والتقى رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، وحفتر، حيث اعتبر مراقبون أن التحركات الدبلوماسية للإدارة الأمريكية تأتي في إطار اهتمام واشنطن بالملف الليبي سياسيا واقتصاديا وأمنيا لتحقيق عدة أهداف.
غير ان واشنطن لم تكتف بتلك الزيارات فقط، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في شهر مارس الماضي عبر موقعها الإلكتروني، استراتيجية مدتها 10 سنوات تنفذها واشنطن في الدول التي تمر بصراع سياسي وبينها ليبيا.
وقال المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، أنذاك، إن الخطة العشرية التي أعلنتها بلاده تدعم تطلعات الشعب الليبي في تحقيق الاستقرار وتسعى لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار في ليبيا، وتستند إلى شراكات بناءة وبرامج على مستوى المجتمعات المحلية، وتدعم تطلعات الشعب الليبي في تحقيق الاستقرار.
في المقابل بدأ مبعوث الولايات المتحدة إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، عدة زيارات إلى ليبيا، أحدثها كان قبل نحو أسبوع، والتقى خلالها نائبي المجلس الرئاسي موسى الكوني وعبد الله اللافي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري ورئيس المؤسسة الليبية للنفط فرحات بن قدارة.
وبحسب بيانات منفصلة صدرت عن المجلس الرئاسي والحكومة والمجلس الأعلى للدولة فإن لقاءات نورلاند بحثت عدة ملفات منها متعلقة بإجراء الانتخابات وتحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية، غير أن مراقبين رأوا أن تلك الزيارات المتكررة للمبعوث الأمريكي تعكس حجم الاهتمام الكبير الذي توليه واشنطن للملف الليبي.
وقال المحلل السياسي السنوسي إسماعيل إن “واشنطن انتهجت مؤخرا سياسة الضغط على الأطراف السياسية الليبية من أجل السير في المسار السياسي الذي يفضي إلى انتخابات، ومن خلال مواقف وتصريحات العديد من المسئولين الأمريكان بما فيهم نورلاند يتضح بالفعل أن هناك رغبة أمريكية للوصول لانتخابات ذات مصداقية لكي تنتهي مسألة النزاع على الشرعيات”.
وأضاف إسماعيل في حديثه للأناضول إنه بجانب الضغط الذي تمارسه الإدارة الأمريكية على الأطراف الليبية ومطالبتها المتكررة بإجراء الانتخابات، فإنها مطالبة بأن تسعى عبر دبلوماسيتها لإحداث نوع من التوازن والتوافق بين الدول الإقليمية بشأن ليبيا داخل مجلس الأمن، لأن العملية السياسية في ليبيا أصبحت معقدة.
واعتبر أن “الضغط الأمريكي إن كان جادا فلابد أن يكون بطريقتين: إما أن يتم عبر مجلس الأمن الدولي بقرارات واضحة وصارمة تعاقب كل من يعرقل الانتخابات من الأطراف المحلية أو الدولية أو يكون بعقوبات أمريكية حسب قانون تحقيق الاستقرار في ليبيا”.
ملف توزيع الإيرادات النفطية
وقال إسماعيل” بأن الملفات التي يناقشها المبعوث الأمريكي نورلاند خلال زياراته ليست مرتكزة على الجانب السياسي فقط، لان هناك ملفات معنية بالجانب الاقتصادي خاصة ملف توزيع الإيرادات النفطية والذي يسبب في إشكاليات كبيرة في ليبيا بسبب عدم التوصل حتى الآن إلى اتفاق بين الفرقاء الليبيين يفضي إلى توزيعها بعدالة على جميع مناطق ليبيا.
وسبق أن صرح المبعوث الأمريكي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند أنه تباحث مع نائبي المجلس الرئاسي موسى الكوني وعبدالله اللافي خلال زيارته الأخيرة إلى طرابلس حول أهمية وضع منظومة لإدارة الإيرادات النفطية يقودها الليبيون.
الهدف الأساسي: فاغنر
من جانبه، رأى الصحفي موسى تهوساي” أن واشنطن وعدد من الدول الغربية تريد ولادة سلطة موحدة جديدة ومن ثم منحها الشرعية الدولية، والهدف من ذلك هو أن تتفرغ واشنطن ومعها الحكومة الجديدة لمواجهة منظمة فاغنر الروسية والتمدد الروسي في ليبيا وهذا يعتبر السبب الأبرز لهذه الزيارات والضغوطات المتزايدة.
وأضاف تهوساي للأناضول” أن الزيارات المتكررة للمبعوث الأمريكي وباقي المسؤولين الأمريكيين الهدف منها هو محاولة الضغط على الأطراف الليبية للذهاب إلى الانتخابات بأي شكل من الأشكال” معتبرا أن “واشنطن والكثير من الدول الغربية لا تهمها من يفوز في الانتخابات وما هي شكل الانتخابات حتى في ظل وجود شخصيات جدلية أو إشكالات قانونية”.
ولفت تهوساي إلى أن واشنطن ليس لديها مرشحين بعينها تفضلهم أو ترفضهم باستثناء سيف القذافي والذي يمكن أن يتم استبعاده بشكل سهل باعتباره ليس طرفا فاعلا على الأرض بخلاف شخصيات مؤثرة موجودة بحكم الأمر الواقع كما هو الحال بالنسبة لحفتر أو الدبيبة”.
وقال تهوساي “أنه لا يمكن مواجهة فاغنر في الوضع الحالي لأن لو فرضنا إن واشنطن دعمت الحكومة الحالية في طرابلس لمواجهة الروس في شرق البلاد فإن ذلك سيخلق صراعا جديدا في ليبيا ذا طابع أهلي بين الشرق والغرب الليبي وستجد روسيا من خلال هذا الصراع مبررات كثيرة للوقوف بجانب قواتها الموجودة في ليبيا، فيما سيختلف الحال تماما في حال وجود حكومة واحدة لها قرار واحد ووحيد على الأرض”.
وختم تهوساي قائلا: “هذا هو السر (التصدي لفاغنر وروسيا في ليبيا) في نظري وراء الحرص الأمريكي على الانتخاباتـ وليس شرطا أن يكون هذا الحرص في صالح الليبيين”.