الأناضول-
اعتبر المؤرخ الليبي محمود الديك أن العثمانيين لهم الفضل في ترسيم حدود ليبيا الجغرافية وتوحيدها، مؤكدا أن بين الجانبين قواسم مشتركة عديدة.
وفي مقابلة مع الأناضول، قال الديك وهو أستاذ بجامعة طرابلس: “العثمانيون هم من وحدوا ليبيا، فمنذ عام 1551 أصبحت لدينا حدود جغرافية وهذا تم في العهد العثماني”.
وأضاف: “نحن نعتبر تاريخ الدولة العثمانية وليبيا واحدا، فنحن لدينا رموز مشتركة مثل تورغوت باشا ويوسف باشا القرمانلي”.
وأشار الديك إلى أن يوسف باشا يعد من الشخصيات القوية التي بنت أسرة قرمانلية، وهي أصلها من قرمان في تركيا لكنهم جاءوا إلى ليبيا فأصبحوا ليبيين يتكلمون العربية الليبية، لكنهم لم ينفصلوا عن الدولة العثمانية، وأصبح يوسف باشا من الشخصيات القوية في البحر المتوسط”.
وترتبط ليبيا تاريخيا بعلاقات وطيدة مع تركيا منذ عشرات القرون، ففي بداية عام 1551م أصبحت طرابلس تحت السيادة العثمانية، وتصاهر الأتراك مع الليبيين وانخرطوا في المجتمع الطرابلسي.
ومنذ عام 1711م، حكمت طرابلس الأسرة القرمانلية، التي بدأت بحكم أحمد القرمانلي، الذي نصب نفسه حاكما عليها آنذاك ليضطر السلطان أحمد الثالث إلى تعيين القرمانلي واليا بصفة رسمية وجعل حكم طرابلس بيد سلالته.
وظلت أسرة القرمانلي تحكم طرابلس حتى 1835م، لتعود إلى حكم العثمانيين بصورة مباشرة وحتى الاجتياح الإيطالي لليبيا عام 1911م.
** هزيمة أمريكية بالبحر المتوسط
وأوضح الديك أنه “عندما كان هناك صراع بحري، أرادت أمريكا أن تمتلك تجارة في البحر المتوسط فجاءت إلى طرابلس، لكن الباشا (يوسف) كان يضع ضريبة متعارف عليها آنذاك لمن يريد أن يؤمن تجارته”.
وأضاف: “رفض القنصل الأمريكي آنذاك دفع الضريبة، وقال وقتها إنه يجب تأديب هذا الباشا، ثم أرسلت أمريكا سفينة فيلادلفيا الضخمة”.
وأشار إلى أن السفينة جاءت إلى طرابلس لكنها جنحت نحو الميناء والتصقت بالرمال، فأخذها البحارة بالمدينة، فاعتبرت أمريكا هذا الحدث هزيمة كبيرة لها”.
وأوضح أن “الأمريكان تواصلوا مع كل العالم لإنقاذ السفينة لكنهم لم ينجحوا، لأن يوسف باشا كان صلبا وأراد إجبارهم على دفع الضريبة، حينها أرسلت أمريكا جنودا فتسللوا وأحرقوا السفينة ليلاً، وبقيت منها السارية التي أخذها الليبيون وعلقوها إلى يومنا هذا”.
وتابع الديك قائلا: “كان هناك 300 أسير أمريكي (ضباط وجنود) في يد يوسف باشا القره مانلي (..) نحن نفتخر بأن يوسف باشا كان رمزا للمقاومة ورمزاً للنضال الإسلامي ضد الأوروبيين والأمريكان”.
** حماية عثمانية من احتلال الأوروبيين
ولفت المؤرخ الليبي إلى أنه “منذ عهد تورغوت باشا (تورغوت رئيس) إلى عام 1911 لم يستطع الأوروبيون احتلال طرابلس أو حتى تهديدها بشكل كبير”
وبعد أن فتح تورغوت، طرابلس عام 1551، توسع في جزيرة جربة (تونسية) ثم في تونس فكانت طرابلس وتونس أشبه بالمنطقة الواحدة، بحسب الديك.
وأشار إلى أن “تورغوت كان شخصية من الشخصيات المهمة جداً في تاريخ ليبيا؛ لأن له بصمات كبيرة في مدينة طرابلس، ولأنه يعتبر صمام الأمان لأي حملات صليبية مسيحية ضد طرابلس”.
وتورغوت رئيس، قائد عثماني ذو شهرة كبيرة، ذاع صيته في مياه البحرين المتوسط والأسود لتحقيقه انتصارات متتالية، ويعد أحد أبرز قادة البحرية العثمانيين، ويحمل اسمه العديد من السفن والبلدات تخليدا لذكراه.
كما نوه الديك إلى أن تورغوت “أحد البحارة الذين قادوا الأساطيل العثمانية في البحر المتوسط وعاش في كنف السلطان سليمان القانوني، وبالتالي كان يجسد ذراع الدولة العثمانية في البحر المتوسط”.
وبيّن أنه “قام بأعمال مهمة جداً في مدينة طرابلس كالتحصينات وصيانة المدينة وكثير من الأشياء الجميلة التي قام بها سواء في المدينة أو ضواحيها، فقام بتوسيع سيطرة العثمانيين نحو جزيرة جربة (تونسية)”.
وأردف المؤرخ الليبي: “خاض تورغوت باشا نضالا في البحر المتوسط فيما يتعلق بمقاومة المسيحيين الذين كانوا يتربصون بالدولة العثمانية للسيطرة على طرابلس من جديد، لكن تورغوت باشا كان قوياً وشجاعاً رغم كبر سنه، وكان شخصية مرموقة”.
وطالب الديك بعقد مؤتمر خاص لشخصية تورغوت باشا “حتى نوضح من هو، منبهاً بأنه “ليس كما كان يقال بأنه قرصان بل هو مجاهد، فيكفي أنه استشهد وهو يدافع عن طرابلس في تصديه للمسيحيين أمام مالطا، ثم دفن في طرابلس”.
وحول قبر تورغوت رئيس قال الديك إنه “تم هدمه من قبل الحركات المتطرفة الذين لا يرغبون بوجود المقابر في المساجد وغيرها”.
وأضاف: “لا أعلم بالضبط أين نقل قبره ولكن معظم الذين دفنوا في المساجد سواء كانوا أتراك، أو ليبيين تم نقلهم إلى المقابر ولست متأكداً من ذلك”.
وفي أكتوبر 2014، تعرض قبر تورغوث باشا الموجود بجوار مسجد تورغوت داخل المدينة القديمة بطرابلس، إلى اعتداء من قبل متشددين وتم هدمه دون معرفة مكان نقل جثمانه حينها.
وفي أغسطس 2020، اعتبر رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، وجود ضريح “تورغوت رئيس” في طرابلس، بمثابة “رمز صداقة” بين شعبي البلدين.