العربي الجديد-
لا يختلف اثنان في أن قضية الهجرة غير النظامية من أفريقيا في اتجاه أوروبا، وراءها ما وراءها من أسباب ودوافع خفية ومعلنة، فالفقر وشحّ وسائل العيش والحياة، هي من الدوافع المعلنة، لكن الصراعات التي تذكيها أطراف دولية في دول أفريقية بعينها، هي ما يقف حقيقة وراء هذا النوع من الهجرة.
ولطالما كانت القارة الأفريقية مجالاً استراتيجياً للصراع الدولي، ولكن ماذا عن ليبيا التي تحولت منذ أكثر من عقد إلى منطقة عبور أساسية للمهاجرين غير النظاميين القاصدين سواحل أوروبا، وذلك بسبب موقع ليبيا الجغرافي ووضع هذا البلد السياسي والأمني المنهار؟
يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، شهدت العاصمة الإيطالية روما ومدينة بنغازي شرقي ليبيا، مؤتمرين دوليين متزامنين حول الهجرة، وإن حضر البعد الإنساني في لغة بيانَيْ المؤتمرين، والتباكي على مصير الآلاف من ضحايا الهجرة غير النظامية، إلا أن ظلال الصراعات الدولية لم تكن خافية.
روما التي تحاول التمدد في العمق الأفريقي بالتوازي مع التمدد الروسي والانسحاب الفرنسي، ركزت أجندة مؤتمرها، الذي حمل عنوان “القمة الإيطالية الأفريقية” بمشاركة أفريقية وأوروبية واسعة، على صنع مقاربة الاقتصادية كحل لأزمة المهاجرين في بلدانهم. بل وبشكل معلن، طرحت الحكومة الإيطالية مشروعاً للحل باسم “خطة ماتي” التي استمدت اسمها من اسم مؤسس مجموعة الطاقة الإيطالية “إيني”، انريكو ماتي، بهدف إطلاق شراكات إيطالية وأفريقية في برامج الطاقة.
وكان لرئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، حضور واضح في القمة الإيطالية، وعقد اجتماعات على هامشها، خصوصاً وأنه من وسّع استثمارات “إيني” في قطاع الغاز بليبيا، وهو صاحب مقترح دمج المهاجرين في الاقتصاد الليبي الذي أعلنه في مؤتمر عن الهجرة نظّمه في طرابلس في نوفمبر الماضي.
أما في بنغازي التي شارك في مؤتمرها الذي نظّمته حكومة مجلس النواب، وزيرا خارجية وداخلية النيجر، بكاري ياو سانغاري ومحمد تومبا، صحبة ممثلين عن منظمات نشطة في مجال العمل الإنساني، فقد جاء البيان الختامي للمؤتمر الذي حمل اسم “إعلان بنغازي” وكأنه رد على بيان قمة روما، إذ شدّد على رفض أن تلعب ليبيا دور “الشرطي” للقارة الأوروبية، وأن تكون منفذاً لتحقيق للمصالح الأوروبية. كما انتقد البيان ما وصفه بالتوظيف السياسي الأوروبي لقضية الهجرة.
وإن لم يشارك على الصعيد الرسمي إلا وزيرا خارجية وداخلية النيجر، إلا أن تصريحات منظمي المؤتمر في بنغازي قبيل انعقاده حول توجيه دعوات لشخصيات رسمية من مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، كانت تشير ضمناً إلى وجود ظل روسي يقف وراء هذا المؤتمر ويدعمه، خصوصاً وأن تلك الدول بالإضافة إلى النيجر، هي مجال الحراك الروسي الحالي في أفريقيا.
في الواقع، إن ليبيا ليست ممراً للمهاجرين الأفارقة فقط، فقد صارت وجهة لكل من يرغب في الوصول إلى أوروبا، فهناك منهم الآلاف القادمون من بؤر ودول التوتر في آسيا أيضاً، وبالتالي فحصر هذه المؤتمرات حديثها عن المهاجرين الأفارقة وتقديم مقاربات للحل في دولهم فقط، له دلالاته وأهدافه الاستراتيجية بالنسبة لأقطاب الصراع الدولي. لكن وبغض النظر عن مصدر الهجرة ونوعها، فالقضية باتت نافذة لخطر جديد يحدق بوحدة وسيادة ليبيا في ظل هذا النوع من تعاطي القادة المحليين معها.