العربي الجديد-
التقى وفد رسمي أميركي برئاسة المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، قائد مليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر، الثلاثاء (30 يناير 2024م)، في مقر الأخير العسكري في الرجمة، شرق بنغازي، لمناقشة مستجدات الواقع السياسي في ليبيا، وسط اتهامات أميركية لحفتر بصلته بالنشاط الروسي الجديد الساعي لتعزيز وجود موسكو العسكري في ليبيا.
وشدد الوفد الأميركي “على دعم الولايات المتحدة للجهود الرامية إلى توحيد الجيش الليبي، وحماية السيادة الليبية”، بالإضافة لمناقشة “أهمية دعم جهود الممثل الخاص للأمين العام عبدالله باتيلي للجمع بين أصحاب المصلحة المؤسسين وللزعماء الليبيين من جميع الأطراف للعمل معًا لضمان بيئة مواتية لليبيين لاختيار ممثليهم بحرية”، وفقاً لمنشور لسفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا عبر حسابها على منصة “إكس”.
من جانبه، قال المكتب الإعلامي لحفتر إن اللقاء ناقش “أهمية التنسيق والتعاون بين القيادة العامة والولايات المتحدة الأميركية في محاربة الإرهاب والتطرف”، مشيراً إلى أن الوفد الأميركي أشاد بدور حفتر “في حفظ الأمن والاستقرار في ليبيا وتأثير ذلك إيجابيًا على دول المنطقة بشكل عام”.
وفيما يعد هذا اللقاء محطة في سلسلة لقاءات جديدة، بدأها نورلاند مع القادة الليبية في سياق دعمها لخطة البعثة الأممية في ليبيا الخاصة بجمع القادة الأساسيين الخمسة في ليبيا حول طاولة حوار سياسي جديد، إلا أن اللافت فيها أنها تزامنت مع اتهامات مباشرة وجهتها الدبلوماسية الأميركية ورئيسة البعثة الأممية السابقة في ليبيا ستيفاني وليامز، إلى حفتر وأسرته وسعيهم للتفرد بالسلطة، بالإضافة لصلته بالنشاط الروسي الجديد الساعي لتعزيز وجود موسكو العسكري في ليبيا من خلال الموانئ الشرقية للبلاد.
خلافات بين أبناء حفتر
وفي إشارة لهشاشة البناء الداخلي لمؤسسة حفتر العسكرية، تحدثت وليامز، في مقال نشره مؤخراً مركز أبحاث “بروكينغز”، عن وجود خلافات بين أبناء حفتر على خلافة والدهم، لكنها أكدت وجود إجماع على أن صدام هو الوريث العسكري لوالده إلى جانب شقيقه خالد واللذين تمت ترقيتهما مؤخراً إلى رتبة لواء، على الرغم من تورط صدام بشكل متزايد في أنشطة تهريب البشر، بحسب وصفها.
وفي معرض حديثها عن حفتر، أشارت وليامز إلى أن رحيله قد يتسبب في اضطرابات في شرق البلاد، مستدركة بأن “انتقال المناصب إلى الجيل القادم يمكن أن يكون سلسًا نسبيًا” بسبب حملة العنف التي شنها حفتر على معارضيه، وفي بعضها استبق أي ظهور لأي معارضة كما حدث مؤخراً مع وزير الدفاع السابق المهدي البرغثي في بنغازي، على حد وصفها.
لكن مقال وليامز لا يعدو أن يكون مقال رأي يعكس الرصد الأميركي لواقع الحال السياسي في ليبيا، بحسب قراءة الناشط السياسي عيسى همومه، الذي يقر بأن وليامز دبلوماسية فاعلة وقريبة من البيت الأبيض خاصة في الملف الليبي الذي عملت فيه لسنوات.
ويلفت همومه، في حديثه لـ”العربي الجديد”، إلى أن مقال وليامز تطرق أيضاً إلى الوضع العسكري والسياسي في غرب البلاد وجنوبها، وقال “لم يكن خاصاً بحفتر وإن كان أبرز الشخصيات فيه، إلا أنه لم يحمل أي موقف أميركي جديد فالخلاف الأميركي مع حفتر يتعلق بصلته بموسكو ومشروعها التوسعي في أفريقيا الذي تتخذ فيه ليبيا قاعدة ومنطلقاً، وهو خلاف قديم، وقد يكون التوجس من تنامي الدور الروسي في شكل وجود رسمي هو الجديد لكنه لن يخلق أي موقف أميركي جديد من حفتر”.
ويعتقد همومه أن واشنطن لا تزال تسير وفق سياساتها السابقة “في الرصد فقط وتحديد المواقف للدفع بالعملية السياسية نحو انتخابات تخلق فاعلين سياسيين جدد في سلطة موحدة يمكن أن تحفظ مصالحها في ليبيا على ندرتها”.
“حديث وليامز ليس ترفاً”
أما أستاذ الدراسات الإقليمية والدولية بالأكاديمية الليبية ناصر اوحيدة، فيرى أن حديث وليامز “مهم بالنسبة للإدارة الأميركية، وهو كلام ليس من قبيل الترف وتسويد الأوراق، فهو بالفعل يعبر عن موقف أميركي حيال المساعي الروسية المتصاعدة المقلقة فعلاً لواشنطن والعواصم الأوروبية”.
وأضاف: “في يوليو الماضي، هاجم خليفة حفتر نورلاند بالاسم، واعتبره أحد الدبلوماسيين الذين ثبت فشلهم في تقديم أي دعم للعملية السياسية، وكان وقتها حفتر في أوج تواصله وعلاقته بموسكو، والآن يبدو أن علاقته العسكرية بموسكو جلبت له إنذارا أميركيا، خاصة أن بيان السفارة الأميركية عن الزيارة فيه حديث واضح عن ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية، وفي هذا رسالة أميركية مفادها أنك يا حفتر لست الفاعل الوحيد في المؤسسة العسكرية ولا قائدها”.
وتابع “فيما كتبته وليامز رسالة أخرى إلى حفتر تشير إلى أن مؤسسته العسكرية مهددة بالانقسامات بين أولاده على خلافته، بل وحديثها عن خلافة حفتر يعني ضمنا أنه لم يعد يحمل مقومات الاستمرار”.
وفي تفاصيل مقال وليامز، أشار اوحيدة إلى أن “حديثها (وليامز) عن مجموعات الغرب العسكرية لم تتوجه فيها إلى شخصية بعينها كالدبيبة مثلاً (رئيس حكومة الوحدة الوطنية) حتى عند ذكرها للصدام العسكري بين فصيلين في طرابلس قبل أشهر، خاصة أن أحدهما ذارع الدبيبة العسكرية، فالتركيز كان على حفتر المرتبط بالمسألة الروسية وتوضيحات بشأن إمكانية اتخاذها للموانئ في شرق ليبيا منفذا لنشاطها العسكري الجديد، فلذلك، هناك مستجدات في معسكر حفتر تؤرق واشنطن”.
وأضاف اوحيدة “لا بد من التوقف عند حديث وليامز عند ضرورة انخراط واشنطن في الوضع الليبي من خلال أدوات القوة الناعمة، وفقا للبرنامج الخاص بليبيا في قانون الهشاشة العالمية الذي يتبناه البيت الأبيض منذ مطلع العام الماضي، فقبل أيام كشفت تقارير غربية عن بدء إطلاق واشنطن خطة لنزع السلاح وضبط المجموعات المسلحة في ليبيا عبر شركة أميركية متخصصة بقيمة 15 مليون دولار”.
وأشار إلى أن الربط بين هذا المشروع وحديث الوفد الأميركي عن وحدة المؤسسة العسكرية الليبية وتعاظم الدور الروسي العسكري في ليبيا “كلها معطيات تدل على نشاط أميركي جديد يهدف لعرقلة مشروع روسي في المنطقة، وحفتر ومؤسسته ستتأثر في خضم هذه المساعي المتضاربة خاصة مع هشاشتها الداخلية بسبب تنافس أبناء حفتر على خلافة والدهم”.