* كتب/ خالد الجربوعي،
“وين الملايين” أغنية تجاوز مدها الزمان والمكان وأصبحت شعارا وجزءا من كل نضال، خاصة على الأرض العربية، وتحديدا كل ما له علاقة بالقضية الفلسطينية التي أطلقت الأغنية من أجلها في يوم من الأيام في ثمانيات القرن الماضي..
جمعت هذه الأغنية ثلاثي فني عربي وهم “جوليا بطرس” لبنان “أمل عرفة” سوريا “سوسن الحمامي” تونس، ثلاثي عرفناه واشتهر كثيرا في تلك المرحلة بأغانيه الشهيرة التي كانت من شعر الشاعر الليبي “على الكيلاني” الذي كان وراء جمع هذا الثلاثي في أول أغانيه معا، ألا وهي أغنية “يمي”، لتكون باكورة إنتاجهم المشترك في الأغنية الثورية والوطنية، والتي لا أعتقد أن أحدا من جيل تلك الأيام لا يعرف هذه الأغنية التي كانت البداية لانطلاق قطار هذا التعاون الذي أثمر وأنتج لنا حينها عدة أعمال فنية تغنى بها الجميع، بل تحول بعضها إلى أيقونة من أيقونات الثورة الفلسطينية، خاصة في زمان ثورة الحجارة التي يمكن القول إنها كانت المنبع والسبب وراء كل تلك الموجة من الأغاني الجامعة للثلاثي وشاعرهم.
لتكون أشهر أغانيهم هي “وين الملايين” التي أصبحت ترافق كل حدث أو مواجهة أو عدوان داخل الأراضي الفلسطينية حتى اليوم..
ولعل ما يحدث هذه الأيام من خلال العدوان على غزة رفع من نسبة مشاهدة هذه الأغنية وجعلها تتصدر جل الشاشات العربية الداعمة للمقاومة الفلسطينية في طول الوطن العربي وعرضه.
لتتوالى الأغاني المشتركة في تلك الفترة بين الثلاثي ومنها “يا حمام القدس” “غضب الشعب” بالإضافة إلى مشاركة الثلاثي لفرقة ناس الغيوان المغربية في أداء أغنية “لماذا يا كرامة” والتي يمكن القول إنها الكلمات الوحيدة التي غنتها الفرقة من خارج أبنائها حسبما أخبرني به شخصيا رئيس الفرقة في سنة 1990 “العربي باطما” رحمه الله..
واستمر التعاون في إنتاج الأغاني وإقامة الحفلات الفنية داخل ليبيا وخارجها بين الثلاثي والشاعر، والتي كانت تستقطب آلاف المتابعين لحضور تلك الحفلات والإشادة بها، بل والشعور من خلالها بمعنى الثورة لترفع منسوب الدعم للقضية الفلسطينية، وتحديدا لثورة الحجارة في تلك الأيام إلى حد كبير،
حتى حانت لحظة الفرق والانفصال ونهاية هذا الثلاثي وذلك في آخر مهرجان جمعهم بالعاصمة طرابلس سنة 1990م، وبسبب ما فعله من كان سببا لجمعهم أساسا ألا وهو الشاعر “علي الكيلاني” .
فما الذي حدث وكيف كان الانفصال ونهاية المسار..؟ ولماذا تفرق الثلاثي دون أي اجتماع بعدها حتى لأداء نفس الأغاني طيلة السنوات والعقود الماضية..؟؟ بل حتى توقفت زيارة أي من هؤلاء الفنانات إلى ليبيا بشكل نهائي لاحقا وبعد هذا المهرجان وحتى اليوم..
القصة تتمحور حول ما حدث في آخر ليالي مهرجان “الأغنية البديلة” الذي استضافته العاصمة طرابلس في صيف 1990م، بمشاركة هذا الثلاثي وعدد آخر من الفنانين العرب الذين يقدمون فنا مغايرا أطلق عليه اسم “الأغنية البديلة” والتي تتغنى بالوطن والإنسان والثورة.. ومنهم “مرسيل خليفة” “فرقة ناس الغيوان” المغربي وآخرين خاصة من دول المغرب العربي.
ففي ختام أيام المهرجان والذي استمر لأسبوع وفي ليلته الأخيرة وبعد نهاية آخر حفل بالمهرجان والذي أقيم بشكل مفتوح لكل الجماهير بملعب 7 اكتوبر بعد أن كانت الحفلات الأولى جميعها أقيمت بمسرح ذات العماد وبدعوات محددة وخاصة إلى حد ما.
ليقوم راعي لحفل ومستضيفه والمشرف عليه وصاحب كلمات جل أغانيه وخاصة أغاني الثلاثي المعروف بفعل يبدو أنه كان خارج السياق،
ولم يرض جل المشاركين في المهرجان، وفي مقدمتهم اثنان من الثلاثي المعني بالأمر، في حدث متأكد أنه لا يفعله إلا الليبيون في مثل هذه الظروف والأحداث.. حيث أنه قام “الكيلاني” بحصر تكريم خاص لا أعلم ما الذي أجبره عليه أصلا إن كانت هذه نتائجه في فنانة وحيدة من بين كل الحضور بالمهرجان، ألا وهي الفنانة اللبنانية “جوليا بطرس”، أعتقد بما كان يسمى “وسام الفاتح” حينها دون بقية زميلاتها، أو ممن شارك في المهرجان عامة،
الأمر الذي فتح باب الغضب والرفض إلى أقصى حد، ما جعل إحداهما وهي السورية “أمل عرفة” تغادر طرابلس صبيحة اليوم التالي الجمعة رغم أنها كان من المفترض أن تواصل بقاءها في طرابلس كما غيرها، حتى إن عملية سفرها كانت كبديل لوالدها الذي كان يرافقها، وكان هو صاحب الحجز للسفر في ذلك اليوم، لكن نتيجة ما حدث تم استبدالها بوالدها لتغادر في أول طائرة ويبقى والدها في طرابلس..
أما الفنانة التونسية “سوسن الحمامي” فلقد كانت هي الأخرى ترغب في المغادرة، لكن استجابت لبعض التدخلات وأكملت زيارتها لتشارك في الحفل الخاص بالفنانين والإعلاميين، ومن لهم علاقة بالمهرجان مساء الجمعة، والذي بدل أن يكون ختام مسك للمهرجان بأداء الأغنية والاحتفال الخاص، تحول إلى ما يكاد يشبه المأتم، فلا ترى إلا الوجوه المقطبة التي يعلو محياها الزعل والغضب والحضور المخجل.. حتى إن جل مراسم هذا الحفل ألغيت، ولم يتم فيه إلا بعض الجلسات والأحاديث المحدودة التي كان الكثير منها يتناول ما حدث ليلا، بين معاتب ومنزعج ومجامل، لتظهر نتائج الحادثة واضحة على جل من شارك في المهرجان، بغياب ما كان بينهم من ابتسام وود وتبادل أحاديث في الأيام السابقة، والتي اختفت في هذه الليلة الأخيرة، وحتى راعي المهرجان ابتعد عنه جل الحاضرين إلا قلة، وفي مقدمتهم المكرمة الوحيدة التي كانت رفيقتها دون غيرها طيلة تلك الحفلة الحزينة،
ومن تلك الليلة وذلك المهرجان انفض الثلاثي وأصبح ذكرى من الماضي، وغاب عن الحضور إلى ليبيا تقريبا أو حتى التعامل والتعاون مع من جمعهم بشكل جماعي أو فردي وفي مقدمتهم المكرمة الوحيدة نفسها.
فكانت النهاية لثلاثي مازالت أغانيه تصدح حتى اليوم خاصة الأشهر “وين الملايين”؟