كيف كان سكان ليبيا يتعاملون مع مسألة الهوية قبل قرن؟
* كتب/ أسامة وريث،
يتواتر من حين إلى آخر نقاش واستفسارات حول اسم ليبيا وعلاقته بالوعي الأهلي.. وهذا يدفعني إلى نشر هذه المقالة التي تبدأ من سنة 1359 هجرية، 1940 ميلادية، عندما ارتحل بضع طلبة من الجبل الغربي/النفوسي، إلى منطقه (مزاب) ببلد الجزائر، لدراسة الشريعة الإسلامية، وعلى الأرجح في الفقه الإباضي.
وقد وصفوا أنفسهم بأنهم طلبة/أو موفدي (البعثة العلمية النفوسية)
بصرف النظر عن موضوع دراستهم في الفقه الإباضي الذي كان مذهب الغالبية إبان القرن 3 هجري، وأصبح بعد ذلك في تناقص تحت وطأة ظروف وتناقضات وإشكالات ذاتية فقهية مختلفة، حتى صار مذهب الأقلية أمام الانتشار المالكي بين الغالبية المستعربة منذ القرن 2 هجري.
إلا أن اللافت للنظر هو الوقوف عند (مسألة الهوية) وكيف كان الأهالي يتعاملون معها؟
فعلى الرغم من أن هؤلاء الطلاب موجودين في خارج بلدهم (ليبيا حاليا) ويدرسون (ببلد الجزائر)، إلا أنهم لم يعرفوا أنفسهم على أنهم (أفراد البعثة الليبية) أو حتى (البعثة الطرابلسية) نسبة إلى الإقليم الطرابلسي، إنما قالوا بأنهم من أفراد البعثة النفوسية!
لماذا؟
إليكم السبب:
لأن (الهوية الليبية) لا وجود لها في أذهان جميع الأهالي حتى ذات الوقت من عقد الأربعينيات، أي قبل الاستقلال ببضع سنوات. وهي في الواقع صناعة أجنبية معاصرة، من استحداث الإيطاليين، ومن تعميم الأمم المتحدة التي اختارت شخصيا أن تستقل (بلد طرابلس برقة) – كما هو اسمها السائد بين ساكنة وساسة البلد وقتذاك – تحت اسم (المملكة الليبية).
في وقت رفض فيه زعماء الاستقلال؛ استقلال بلادنا تحت اسم أجنبي!. وطالبوا بأن تُستعمل الأسماء المعروفة بينهم وهي بلاد طرابلس الغرب، أو بلد طرابلس برقة، حتى أن المناضل الأربعيني الزعيم بشير بك السعداوي، كان قد أعد كتابا حوّله الى الرأي العام، تحت عنوان (فظائع الاستعمار الإيطالي الفاشستي في طرابلس برقة). وقد عرّف فيه شعبه تحت اسم (الشعب الطرابلسي-البرقاوي) وهو متوفر إلكترونيا.
كذلك فعل الزعيم سليمان الباروني، حيث عرّف نفسه ضمن مؤلفاته بالمهجر بمصر، على أنه سليمان الباروني النفوسي. ولم يقل حتى بأنه الباروني الطرابلسي.
لأن الهوية الليبية واقع الأمر لا وجود لها وقتذاك في أذهان الأهالي، ولا في وعي النخب الوطنية. ولأن الجبالية/البربر مثل العرب/الأعراب؛ في انتماءاتهم وأنسابهم وعددا من أنماط حياتهم، فإن الانتساب إلى البطن والقبيلة والعشيرة هو أعلى انتماء وأكثر قيمة من الانتساب حتى إلى الإقليم: إقليم طرابلسي أو برقاوي الخ فما بالكم بالانتساب إلى شيء اسمه الوطن، والذي لم يكن وطنا جامعا بعد، حتى ذاك الوقت.
كذلك وصف مناضل المهجر أحمد بك السويحلي، نفسه وجماعته في مصر 1924م بأنهم أعضاء اللجنة الوطنية الطرابلسية للدفاع عن القضية الطرابلسية في الخارج، وكذلك فعل الكاتب الطاهر الزاوي الطرابلسي كما وصف هويته في الخارج. كما كانوا يعتبرون أنفسهم عربا في بعض مذكراتهم، وبالمطلق لم يشيروا إلى كونهم ليبيين، لأن هذه الهوية لا استعمال لها سوى في الأوساط الإيطالية والأجنبية والتي تسمي البلد ليبيا Lybia وتدعوا السكان في ذات الوقت باسم العرب والمتمردين العرب الخ.
وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة أن بعض المغيبين اليوم يرددون خرافات عن الهوية والجنسية والأصول الليبية؛ ضمن سياقات ركيكة ضعيفة مزيفة وملفقة وملتوية. لا أصل ولا صحة ولا سند لها في التاريخ الوطني. ولا شيء سوى صناعة الوهم.
والخلاصة أن الهوية الليبية بجنسيتها ومفهومها؛ هي صناعة أجنبية ومعاصرة لا وجود لها قبل حكم الإيطاليين في 1911-1943 ولا استعمال لها بين أجدادنا وأسلافنا آنذاك، ولا اعتماد لها قبل استقلال البلد أصلا بشكل رسمي وفعلي، وتحت اسم ليبيا/المملكة الليبية في 24 ديسمبر 1951م.
وبصرف النظر عن ذيوع هذه التسمية الخارجية في المصادر الخارجية/الأجنبية الإغريقية/اليونانية والرومانية اللاتينية، فإنه من يراجع جميع المصادر والمؤلفات الوطنية التي كتبها جميع عامة ونخب البلاد، منذ ما قبل الحكم الإيطالي 1911، نزولا إلى تاريخ صدور أول كتاب محلي بالخط العربي في القرن الهجري 2، فإن المرء لن يجد نصا واحدا فقط، فيه كلمة واحدة تشير إلى شيء حول مفهوم ليبيا أو حتى تسمية ليبي وليبية!. ولن يكون في وسع أي باحث أو محاضر أكاديمي أن يأتي بما يخالف هذه الحقيقة.
أما اليوم ومنذ 1954؛ فنحن جميعنا ليبيون وليبيات، ننتمي إلى مجال جيوسياسي اسمه ليبيا