
نوفا-
تشكل قاعدة طبرق الجوية، وهي مركز استراتيجي في شرق ليبيا، محور تعزيز التعاون العسكري بين حفتر وحلفائه، مع روسيا وبيلاروسيا في طليعة تطورها.
المجمع العسكري، المعروف أيضًا باسم قاعدة جمال عبد الناصر تبلغ مساحته نحو 40 كيلومترا مربعا وتقع على بعد 32 كيلومترا جنوب مدينة طبرق الساحلية على البحر الأبيض المتوسط، على الخاصرة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي. تم استخدامه منذ ثمانينيات القرن العشرين من قبل القوات الجوية الليبية للتعامل مع التوترات مع الولايات المتحدة في ظل نظام القذافي.
وتقع القاعدة تحت سيطرة حفتر منذ عام 2014. وفي السنوات الأخيرة، اكتسبت أهمية استراتيجية متزايدة مع تكثيف زيارات السفن العسكرية الروسية ووصول شحنات الأسلحة والمعدات.
وفي يونيو الماضي، قامت الفرقاطة “أودالوي” مارشال شابوشنيكوف والطراد الصاروخي “فارياج” من فئة سلافا، برفقة غواصتين، بزيارة رسمية إلى ميناء طبرق، وهو الحدث الذي أكد علناً تكثيف العلاقات بين موسكو وبنغازي على المستوى العسكري. وبحسب التقرير الأخير لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، فإن ميناء طبرق استقبل بالفعل سفن إنزال أخرى من فئتي “جرين” و”روبوتشا”، والتي قامت بتفريغ مركبات عسكرية ومعدات ثقيلة. على وجه الخصوص، في 14 أبريل 2024، لوحظت شاحنات عسكرية تحمل مقطورات صغيرة وهي تنزل من الميناء، وهو مؤشر واضح على نشاط لوجستي واسع النطاق ومنظم بين موسكو وبرقة.
وتقول مصادر ليبية لوكالة “نوفا” إن الزيارة الحالية لحفتر ونجليه صدام وخالد إلى بيلاروسيا مرتبطة أيضاً بمستقبل قاعدة طبرق الجوية. وبحسب المعلومات المتوفرة، قررت موسكو مواصلة تطوير البنية التحتية تحت “غطاء” بيلاروسيا، التي ستشارك في المشروع باسم التعاون مع ليبيا. وبهذه الطريقة، يهدف الكرملين إلى تعزيز حضوره في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا بشكل غير مباشر ومن دون جذب الاهتمام الدولي.
وزار خالد قاعدة طبرق عدة مرات خلال الأشهر الأخيرة، وعقد اجتماعات مع مسؤولين روس لتحديد خطة تطوير البنية التحتية. ومن المتوقع توسيع الموقع وترقيته لاستيعاب مقاتلات روسية جديدة، بما في ذلك طائرات ميج 29 الموجودة بالفعل في الخدمة مع حفتر، بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة ومرافق صيانة الطائرات الحربية. وتتضمن الخطة أيضًا زيادة التعاون في مجال الأمن السيبراني وتدريب الطيارين الليبيين.
وفقًا لـ جلال حرشاوي الخبير في شؤون ليبيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (روسي)، يشعر الجنرال القادم من برقة بالحاجة إلى إثبات أن لديه محاورين آخرين للتدريب وقطع الغيار والإمدادات العسكرية، وفي مينسك يستجيب للحاجة إلى إثبات أن موسكو ليست حليفه الوحيد. وشدد المحلل على أن المرشح الوحيد المتاح يبدو أنه بيلاروسيا، التي تعمل اليوم “مثل دولة تابعة لروسيا أكثر من كونها كيانًا مستقلاً حقيقيًا”. وعلاوة على ذلك، وفقًا لحرشاوي، فإن عائلة حفتر تأمل في “تصوير مينسك ككيان منفصل عن الكرملين، مما يعطي الانطباع بأن موسكو ليست الداعم العسكري الوحيد للجيش الوطني الليبي”.
والتقى صدام حفتر، مع وزير الدفاع البيلاروسي فيكتور خرينين، لبحث تعزيز التعاون العسكري بين شرق ليبيا ومينسك. وبحسب صفحة القوات البرية الإنجليزية على الفيسبوك، فإن اللقاء كان حول “تبادل الخبرات والتنسيق المشترك”. وبالتوازي مع الاتفاقيات العسكرية، شملت الزيارة إلى مينسك مناقشات حول التعاون الاقتصادي والزراعي. تعهدت بيلاروسيا بتوفير المعدات للقطاع الزراعي في ليبيا، كجزء من خطط حفتر لتنويع سبل العيش في برقة إلى ما هو أبعد من قطاع النفط.
وفقًا لـ عماد الدين بادي المحلل في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، فإن بيلاروسيا “كانت منذ فترة طويلة امتدادًا لطموحات موسكو الجيوسياسية” وأن مشاركة مينسك مع حفتر “ليست استثناءً”. ويرى أن زيارة عائلة حفتر هي إشارة واضحة إلى رغبة بنغازي في تعزيز العلاقات مع روسيا، خاصة مع هذه الإدارة في البيت الأبيض. وقال بادي إن “الترامبية، بنهجها المعاملاتي، توضح أن واشنطن ليس لديها أي نية لتحدي الدعم الروسي لحفتر”. وفي هذا السيناريو، يرى حفتر أنه “لا يوجد سبب يدعوه إلى تقليص اعتماده على موسكو.
ومع تعزيز محور حفتر-موسكو-مينسك وتعزيز قاعدة طبرق الجوية، أصبحت منطقة شرق ليبيا بشكل متزايد نقطة رئيسية في الاستراتيجية العسكرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط. إن التعاون مع بيلاروسيا، الذي احتفلت به وسائل إعلام حفتر باعتباره حدثًا “تاريخيًا”، هو في الواقع جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تحويل طبرق إلى مركز استراتيجي لطموحات موسكو في البحر الأبيض المتوسط.