العربي الجديد-
لا يزال الصمت المحلي والإقليمي والدولي سيد الموقف، حول القرارات الجديدة التي طاولت مؤسسة النفط الليبية وتغيير إدارتها، من جانب حكومة الوحدة الوطنية لصالح تعيين شخصية مقربة من خليفة حفتر، خصوصا مع تزايد الحديث عن وجود صفقة سياسية بين الأخير وعبد الحميد الدبيبة.
ويبدو أن الوضع تجاوز الجدل حول قرار إقالة رئيس مؤسسة النفط السابق، مصطفى صنع الله، وتعيين فرحات بن قدارة، المقرب من حفتر، بديلا عنه، إذ إن الرئيس الجديد مضى في عمله، وأصدر من وسط بنغازي قراراً برفع حالة الإغلاقات النفطية، بعد أن استضافه حفتر في المدينة التي سبق وأن مَنع الدبيبة من دخولها.
وبينما يخيم صمت مطبق على مواقف رئاسة مجلس النواب، لا سيما عقيلة صالح، من مستجدات النفط، لا يزال رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب، فتحي باشاغا، يلزم الصمت أيضا، خاصة أنه سبق وقال إن إغلاق المنشآت النفطية مرتبط بالموقف من حكومة الدبيبة التي ترفض تسليم السلطة.
كما كان باشاغا قد أكد دعمه لموقف المجموعات القبلية التي أوقفت تدفق النفط، بعد أن أعلنت، منتصف إبريل الماضي، أنها لن تسمح بإعادة فتح الحقول النفطية “حتى خروج حكومة الدبيبة منتهية الولاية الفاقدة للشرعية من المشهد في طرابلس وتسليم السلطة للحكومة الجديدة التي نالت ثقة البرلمان”.
ويُعد بن قدارة من الشخصيات المقربة من حفتر، والموالية له. وجاء قرار تعيينه رئيساً لمؤسسة النفط بعد أيام من لقاء غير معلن جمع أقرب مستشاري الدبيبة بصدام نجل حفتر، بحسب تقرير لموقع “أفريكا إنتليجنس” الفرنسي، مطلع يوليو الجاري، أكد خلاله احتضان الإمارات للقاء بين الطرفين.
النفط.. أهم وآخر أوراق القوة في الصراع الليبي
ويعتبر الناشط السياسي مالك هراسة، قبول حفتر عقد صفقة مع الدبيبة أمرا طبيعيا، خصوصا مع فشل باشاغا في تحقيق أي مكاسب لحفتر، وأهمها فشله في فرض نفسه سياسيا وعسكريا في العاصمة، عدا عن سعي الدبيبة كذلك لعقد تحالف مع حفتر، كونه المسيطر على شرق وجنوب البلاد “لتوجيه رأي مجلس النواب الذي بدا أكبر عقبات استمراره في السلطة”.
وبحسب ما قال هراسة خلال حديث مع “العربي الجديد”، فإن ورقة النفط باتت أهم وآخر أوراق القوة في الصراع الليبي، إضافة إلى أهميتها في إقناع المجتمع الدولي الذي سيضطر للتعامل مع من يسيطر على النفط.
وتابع “النفط مهم للطرفين، الدبيبة يحتاج للمال لتمكين نفسه وتمويل حكومته وفرض نفسه دوليا، وحفتر يعيش ضائقة مالية خانقة ولا بد له أن يجد طريقا لمصادر تدفق المال في العاصمة طرابلس التي يسيطر عليها الدبيبة بعد أن فشل باشاغا”.
صفقة الدبيبة مع حفتر تفقد الدبيبة داعميه في طرابلس
وإن بدت هذه الأسباب مقنعة للتقارب بين الدبيبة وباشاغا، إلا أن الباحث في الشأن السياسي أحمد العاقل يرى أنه من المبكر تسميتها بـ”الصفقة”، موضحا في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “ما حدث لا يزيد عن سعي الدبيبة لإظهار حسن نية تجاه حفتر، بقبوله تعيينه شخصية مقربة منه، وتقديم بادرة أيضا من جانبه بقبول إعلان بن قدارة رفع حالة الإغلاق برعاية حكومة الدبيبة من وسط بنغازي التي سبق وأن مُنع الدبيبة من دخولها”، لافتا إلى أن الجانبين لم يصدر عنهما المزيد من المواقف التي تشير إلى وجود صفقة.
ويعتقد العاقل أن كلا من الدبيبة وحفتر يختبر الآخر، ويرى في ذات الوقت أن الصفقة إذا ما عُقدت لن تكون رابحة لجانب الدبيبة، موضحا أن الدبيبة “أقنع القوى المسلحة في طرابلس بمعارضة باشاغا، بحجة تحالفه مع حفتر، والآن يفعل ذات الشيء”.
وأشار إلى أن الدبيبة سيخسر داعميه في طرابلس إن ثبت وجود صفقة، خصوصا وأن حفتر حصل على ما لم يحصل عليه بالحرب، إذ باتت مؤسسة النفط بوجود بن قدارة على رأسها في يديه، إذ “يمكنه إصدار قرار بنقل إدارة المؤسسة إلى بنغازي الآن، فيما لا يمكن للدبيبة الاعتراض؛ وليس بمقدوره أن يقنع المجتمع الدولي بتعيين رئيس جديد للمؤسسة، خصوصا في ظرف زمني قصير”.
وحول الضمانات التي يمكن أن يحوزها الدبيبة من حفتر مقابل الصفقة، قال العاقل “اعتراف حفتر به وبحكومته وتمكينه من العمل في جنوب وشرق البلاد وسحب اعترافه بباشاغا ودعمه”.
صمت باشاغا لن يطول
لكن في المقابل، يبدو أن قرار تعيين بن قدارة رئيسا جديداً لمؤسسة النفط جاء فجائيا وصادما، فصمت باشاغا حتى الآن يعكس قتامة الرؤية أمامه.
وفي تدوينة عبر حسابه على “فيسبوك”، قال الإعلامي المقرب من باشاغا، أحمد الروياتي، “لا زلنا نترقب المستجدات، وسنتريث قليلا حتى نقطع الشك باليقين”، في إشارة واضحة إلى أن ملامح وجود صفقة سياسية بين حفتر والدبيبة لا تزال غير واضحة.
واستدرك بالقول “حتى نتأكد ونُراجع ما تبقى لنا من وسائل وأدوات، لتكون خياراتنا القادمة أمام الشركاء والحلفاء والليبيين وطنية واقعية ذاتية، ولكن تأكدوا أنه لن يكون تريث طويل، وكل الخيارات مفتوحة”.
وأكد الروياتي أن حراك باشاغا المقبل سيكون منطلقه على أساس عدم البقاء “لفترة أطول مجرد ورقة ضغط أو تكسّب، لا للأطراف الليبية مسلحة وسياسية، أو للأطراف الدولية إقليميا أو عالميا”.
من جانبه، يرى الخبير السياسي والقانوني سامي الأطرش، خلال حديث لـ”العربي الجديد”، عدم وجود “معايير لتفاهمات أو خلافات بين الأطراف”، مشيرًا إلى أن ما يحدث من تقارب وتباعد بين الأطراف والقادة “سياسات براغماتية لا تمت لأي معايير يمكن الاعتماد عليها، وبالتالي هي علاقات نفعية تتكون من لحظة إلى أخرى، وتتوقف على مدى تقارب وجهات النظر في مواقف معينة، أو على اتجاهات يقوم بها أحد الأطراف من أجل ترسيم وضعه السلطوي ومزاياه التي يتمتع بها (…) كلمة تفاهمات بعيدة كل البعد عن الحياة السياسية في ليبيا”.
ويزيد الصمت الدولي والأممي من غموض الأوضاع حيال المستجدات، فالبعثة الأممية ومستشارة الأمين العام للأمم المتحدة في الشأن الليبي، ستيفاني وليامز، وأغلب العواصم الدولية الكبرى، لم تبدو مواقف واضحة من قبول تغيير إدارة مؤسسة النفط أو رفضها، فيما بيّن الأطرش أنه “لا يوجد مبرر منطقي وعقلاني يبرر هذا الصمت، ولكنه هروب من المواقف ومن تحديد استراتيجيات هذه الدول، في ظل غياب المعايير الحقيقية لأي قرارات”.
من زاوية أخرى، زادت الأحداث الأخيرة من عتمة الرؤية الخاصة بمستقبل الانتخابات المؤجلة في البلاد، ومصير القاعدة الانتخابية التي لا زالت موضع خلاف. ويبدي الأطرش خشيته من ذلك، خاتما بالقول “لا يمكن إجراء انتخابات عادلة ونزيهة وشفافة وتتمتع بالمعايير الحقيقية للانتخابات الوطنية، لأن الانتخابات رهينة هذا المخاض القذر وغير المسؤول وغير المبني على قواعد دستورية وقانونية، وبالتالي لا أعتقد أن هناك أي انعكاسات، عدا إطالة المدة والمواقع التي يستطيع أن يستفيد منها هؤلاء السلطويون”.