* كتب/ حسين المرابط
نتفق جميعا على أن القرآن الكريم هو مصدر للتشريع ومنبع للقيم والأخلاق التي علينا أن نزرعها في شخصية أبنائنا في كل مجتمعاتنا العربية و الإسلامية.
ونحن لا نتفق بتاتا مع مقترح السيد مدير مركز البحث في الأنتروبولوجيا الاجتماعيّة والثقافيّة في وهران الدكتور جيلالي مساري، الذي يقترح فيه إلغاء سورة “الإخلاص” من مناهج الطور المدرسي الثاني في الجزائر بحجة صعوبة مفرداتها وأن التلاميذ غير قادرين على فهم معانيها، أكد على ذلك من خلال مُداخلته بالمُلتقى الدَّولي حول تدريس التربية الإسلاميّة في المُؤسّسات الرسميّة المنعقد في 23-24 أبريل 2018. لكن علينا أن نفرق ما بين إقراره كمادة للحفظ وما بين إقراره كمنهج والغوص في عميق الأفكار والقضايا التي يعالجها.
فعلينا ألا نتناسى بأنه جاء شاملا لكل أمور حياة الإنسان ويعالج قضايا كبيرة ومفصلية، منها تلك التي واجهت رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين أبان نزول الوحي، ولازلنا نواجهها حتى يومنا هذا.
فيا وزارة التعليم، وتحديدا مكتب المناهج، عليكِ ان تستوعبي أن عقول تلاميذ المراحل الأولى من التعليم لا يمكنها أن تستوعب حجم القضايا التي تعالجها تلك الآيات والسور التي تم اختيارها من قبل سيادتكم. فلو تتبعنا السور التي تم اختيارها لمناهج الصف الأول والثاني من التعليم الأساسي لوجدناها في مجملها سورا تخاطب الإنسان وتحذره من الشرك بالله، وبالتالي فهي تعالج قضايا أكبر من تصورهم وأفكارهم، مما يثبت أن اختيار السور كان بطريقة عشوائية وغير مدروسة.
فسورة الفلق وسورة المسد وسورة الكافرون في منهج الصف الأول الابتدائي، وسورة الفيل وسورة الهمزة وسورة العصر وسورة التكاثر والزلزلة في منهج الصف الثاني من التعليم الابتدائي، فيها من الدروس والعبر مالا يمكن أن يستوعبه حتى البالغين في بعض الأحيان، بيد أنها تثبت صراعات عانى منها الرسول صلى الله عليه وسلم من كفار قريش ومصير هؤلاء المشركين من عذاب وخلود في النار ووصفهم بالكفار.
وعقول هذه المراحل من التعليم ونفسياتهم لا تستطيع أن تستوعب كل تلك الدروس، كما أن هذه السور تحمل في طياتها تهديدا ووعيدا من شأنه أن يلحق الرعب بنفوس هؤلاء التلاميذ لأنها تخاطب أناسا بالغين، فينعكس على شخصياتهم سلبا، مما قد يؤثر في توجهاتهم عند بلوغهم سن الرشد، بخلاف تناولهم لمثل هذه الدروس في مراحل متقدمة، مما سيكون له طيب الأثر في سلوكهم وأخلاقهم وبناء شخصياتهم.
كما علينا ألا ننسى أن القرآن الكريم جاء ليخاطب الإنسان بالغ الرشد، وحتى الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينزل عليه الوحي إلا بعد بلوغه سن الأربعين. بالمقابل، فالقرآن الكريم مليء بالآيات والسور التي تعالج قضايا كبيرة، لكنها تتناسب وأعمار هذه الفئة، كتلك التي تخاطب الإنسان وتناشده الرحمة والتعاضد والتسامح والبر.. إلخ.
و أنا إذ أؤكد على ذلك، فكلي ثقة من أن القرآن الكريم هو الأساس لزرع الأخلاق والمثل العليا في نفوس الأجيال في كافة الأصقاع الإسلامية، لكن علينا أن ننتقي ما يتناسب وأعمار هذا النشء.
فدعوة لوزارة التعليم من هذا المنبر لكي تعيد النظر في مناهج المواد (الاستراتيجية).