رأي- نحن والأحداث
* كتب/ يوسف أبوراوي
كم يبدو هذا الكائن البشري غريبا في تفاعله مع كل ما يمر به من أحداث وأحوال.
فهو في كل مرة -رغم تنوع هذه المرات واختلافها- يريد أن يقول “أنا هنا”، بالطريقة التي يجيدها، فبعضنا يقول أنا هنا بلباس مميز يظن نفسه إذا ارتداه سيكون مغناطيس الأبصار والقلوب، والبعض يظن أن سياراته الفارهة هي عنوان مجده وعلامة تميزه، وهؤلاء أمرهم بسيط في العادة اذا ما قورنوا بالصنف الآخر الذي يسعى لنفس الهدف عبر التفنن في ضروب الكلام وتنوعات الفكر -أو هكذا يزعمون على الأقل- هذا الصنف خطير جدا، وخطورته تكمن في القدرة على التصرف في الكلمات والمعاني بما يبرر ما يرمون إليه ويقصدونه، وللكلمة كما نعرف سلطان السحر على البشر مذ عرفوا الكلام إلى اليوم.
لو أردنا أن نرصد هؤلاء المتكلمين اليوم والعالم يمر بجائحة أو وباء، أو هكذا أريد له أن يشعر ويتفاعل، لوجدنا أنماطا متعددة وأشكالا مختلفة وكلها مترجِمة عن البنية العقلية والنفسية للقائلين:
– فمنهم من ظن نفسه ناطقا بلسان الدين والشرع فلا تراه إلا مذكرا بعظمة الله وقدرته على إخضاع البشر بكل ما وصلوا إليه من تقدم علمي بأصغر مخلوقاته ليكون ذلك زاجرا لهم عن شطط ابتعادهم عنه وعما شرع وأمر.
– و منهم من مجّد العلم وأشاد بالمعرفة ولام الحكومات والأشخاص على تفريطهم بالأخذ بأسبابه، فهو في نظره المنقذ من كل مرض ووباء عبر الدرس والكشف العلمي عن الأسباب والمسبَّبات.
– ومنهم من اتخذ من كامل الموقف مادة للضحك والتندر من هذه المخلوقات المذعورة التي ضخ الإعلام في رؤوسها خطورة الموقف وصعوبة اجتيازه، ولو سكت عن ذلك لمر الحدث كما مر غيره، وكأن البشر يقيمون وزنا لحرمة النفس البشرية، وضحايا احترابهم وتقاتلهم كل يوم هو أضعاف ما يسببه المرض.
– ومنهم من كان أكثر واقعية من كل هؤلاء الناظرين في الأسباب والمآلات، واقتصر كلامه على التوعية بأخطار المرض والإجراءات العملية الكفيلة بالحد من انتشاره وعلاجه إن وقع.
– ومنهم من ضرب صفحا عن كل ذلك وكأن شيئا لم يحدث، واستمر فيما كان فيه قبلُ.
والحق أن هذه الأنماط من الكلام والفعل نراها في كل حدث يحدث وكل أمر يستجد، مفسرة مبينة لأنواع التفكير الغيبي والعلمي والعملي، وأنواع الفعل المبادر والمتقاعس والمتجاهل، وأنواع الأمزجة والنفسيات المتشائمة والمتفائلة، وربما احتاجت الحياة بكل ما فيها لكل ذلك وأكثر من المواقف والأفكار والأمزجة لتستمر، بل ربما مزج العاقل حسب فهمه وتقديره كل ذلك، كما يمزج الصيدلاني أنواع العقاقير بنسب متفاوتة بعد أن يأخذ في اعتباره نوع المرض وشدته وقوة المريض وخصائص جسده ليصل بكل هذا التدبير إلى خلطة شافية، شفانا الله وإياكم من كل داء وجعلنا من مستخدمي قوتهم وصحتهم فيما ينفع..