* كتب/ يوسف أبوراوي،
لو نحينا العواطف جانبا (وهي غالبا لا قيمة لها لدى من يحكمون العالم ويخططون له من الكبار)… وحاولنا النظر من مسافة أبعد قليلا، ألا نلاحظ أنه بعد الحرب العالمية الثانية تم التخلي عن فكرة الاستعمار المباشر المكلفة وتم إيهام الشعوب المستعمرة أنه يمكنها الاستقلال عبر تنصيب وكلاء (الوكيل هنا ليس نوعا من السباب بل مجرد توصيف لحالة واقعية ولا علاقة لها بالأخلاق والإخلاص وغيرها من القيم التي لا تفهمها الحضارة المادية)… وهكذا تم تمثيل مسرحيات الاستقلال في كل المستعمرات وإلهاب المشاعر لكائنات تتوق لتحقيق معنى وجودها بأي شكل.
حتى لا أكون قاسيا، سؤالي ماهي نتائج هذا الاستقلال بعد سبعين وثمانين سنة من استقلال مجموعات بشرية قسمت إلى دول وتعاني الجهل، وتحاول تقليد مستعمريها في قصات الشعر والموضة؟… ماهو الاستقلال أصلا وأنت تأكل من فتات موائدهم وتلبس وتستهلك ما ينتجون؟
هل ديكورات الحكومات بمختلف أنواعها الملكية والجمهورية والعلمانية والإسلامية والرأسمالية والشيوعية، وهي في أقصى تجلياتها لا تتجاوز تقليد الاسم وبعض الاكسسوارات وتخفي وراءها عقليات ما زالت تشتغل بأفكار وأمزجة تعود إلى القرون الوسطى، هو ما نسميه استقلالا؟
بالنسبة لي لا أتصور حلا لمشكلة غير مشخصة، ونحن عبر كل إخفاقاتنا لم نستطع بعد تشخيص مشكلتنا بعد أن مر علينا كل المدعوين ورأينا كل اللافتات وصفقنا لكل المغامرين عبر عقود من الوهم والهراء.
إنني أؤمن بأن كل تصاميم المباني التي أبدعها مهندسو العالم لن تمنع البناء من التآكل والانهيار متى كان طوب البناء هشا، وعولنا فقط على جمال الزخرفات وألوان الطلاء.
إننا نمارس هذا الفعل الجنوني في كل مرة ونظن أن البناء الأحمر سيكون أكثر تماسكا من الأبيض، أو أن ما كان مبنيا على الطراز الإسلامي هو بطبيعة الحال أقوى من الطراز الفكتوري أو العكس.
يا قوم إن طوب بناء المجتمعات هو الإنسان فالتفتوا له ودعكم من التزاويق، فهي لم تغن ولن تغني شيئا في ميزان الحقائق ولا في اتقاء العواصف… فهل نحن واعون؟