* كتب/ خالد الجربوعي،
“كلهم فزعوا” جملة نسمعها كثيرا في المجتمع الليبي عندما تكون لدى أحدهم مناسبة ما.. خاصة إذا كانت مناسبة حزينة مثل المرض والموت في جل الأحيان.. فيحدث أن يهرع الأقارب والجيران والأصدقاء وكل من له علاقة قريبة أو بعيدة بصاحب المناسبة لتقديم يد العون وكل ما يستطيع من أعمال بدنية أو مادية أو حتى معنوية، فتتجمع الجماعات لتقوم بواجبها وما تستطيع فعله.. فمن يبني الخيام، ومن يحضر المياه، ومن يطهو الطعام ويقدمه للضيوف والحاضرين من المعزين خاصة في الوفيات.. ومن يتبرع بالأموال ومن يشد من عضد صاحب المأساة، ولو بالكلمة الطيبة والدعاء إلى آخر ما يمكن أن يقدم.. كل هذا يحدث عند وقوع الحادثة أو المصيبة خاصة.. وإن كانت حتى الأفراح والمناسبات السعيدة يمكن أن تشهد مثل هذا الفعل ولو نسبيا.. لكن المصائب والأحداث المأساوية تكون هي الأكثر تعاضدا في جل الأوقات.
لكن.. ولكن هذه التي دائما ما ترافقنا وتزعج أمانينا.. لكن ما إن تمر بضعة أيام وتستقر الأمور ولو قليلا حتى تتغير بعض الوقائع والأحداث ولو نسبيا وإن في جل الأحيان.. فتبدأ تبرز المشاكل والخلافات والصراعات حتى يكاد يغادر الكثيرون المناسبة التي فزعوا إليها زعلانين غاضبين حتى يقال عقبها “الزعلان أكثر من الراضي” بسبب أو بدونه، وفي كثير من الأحيان لأسباب واهية وأحاديث فارغة وعناد زائد وكلام لا معنى له.. خاصة عندما يتدخل مستغلو الفرص وزارعو الفتن، ويبدأون في نقل الأخبار ونشر الأكاذيب بين الحاضرين من أقارب وجيران وأصدقاء.. فتنتهي تلك الفزعة إلى مشاكل ومقاطعة وقلوب حاقدة.. هذا ما يحدث في المناسبات الخاصة.
وللأسف أنه ذات الأمر يحدث في مناسباتنا العامة، وعلى مستوى البلاد في كل حدث أو مصيبة، والتي عند وقوعها يهرع الكل لتقديم ما يستطيع من تبرعات ومساعدات وأعمال مشاركة بكل ما يمكن أن يقدمه الفرد والجماعة.. فتشاهد المجاميع وهي تزحف نحو مكان الحدث، والمواكب السيارة وهي تنقل المساعدات وما قدمه بقية المواطنين لأصحاب المصيبة.. ولعل خير دليل على ذلك ما حدث عند أحداث2011 عندما كانت قوافل المساعدات تنتقل بين المدن وتجوب المناطق جنوبا وشرقا وغربا حسب المكان المحتاج إليها عقب كل صراع أو حروب.. لكن ما إن تمضي أيام حتى تتحول كل الأمور إلى عكسها وتفتح أبواب الخلاف والصراع والانقسام.
ولعل ما شاهدناه ونشاهده اليوم من هبة وفزعة شعبية غير مسبوقة تفوق كل ما حدث قبلها من كل مكان يقدم هذا الواقع بامتياز لتقديم يد العون والمساعدة بكل الإمكانيات في صورة لامثيل لها.
لكن -للأسف لابد من هذه الـ “لكن”- أنه بعد أن تنجلي غيوم الحادثة تبدأ غيوم الصراع والتنافس والمزايدة، وكلا يحاول إظهار أنه صاحب الفضل وأنه من يحق له أن يكون قائد المرحلة وبيده كل الأمر، خاصة فيما يتعلق بالثروة والأموال، فيفتح باب الصراع ونشر الفتن وتبادل الاتهامات بين الأطراف.. ويعود الانقسام بأكثر قوة، وتتحول تلك الفزعة المحمودة إلى مجرد سحابة صيف انتهت مع وقتها، ولا يهتم أحد بما يعانيه من تعرضوا لما حدث ومن دفعوا الثمن.. لأن الكل يصبح مشغول بقبض الثمن، والحصول على المصالح، واستغلال الأحداث والادعاء بما فعل ولم يفعل، خاصة من أصحاب السلطة والكراسي.. ولا أعتقد أن حادثة درنة بكل مأساتها وكل فزعتها الغير مسبوقة ستكون استثناء من هذه النهاية المحزنة والصراع المفتوح، وعودة ما كان إلى أسوأ مما كان، لتقف الفزعة عند حدها ونعود إلى المربع الأول دون أن نأخذ العبرة مما حدث، ونضع مصلحة البلاد والعباد فوق كل مصلحة.
وهذ هو حال أصحاب السلطة والكراسي ومن يدور في فلكهم سياسيا وقبليا وجهويا.
فإلى متى تبقى فزعتنا محدودة الزمان محزونة النهاية والثمن؟..
آمل أن يكون كلامي في خانة التخمين الخطاء، ويحدث عكس ما ذكرت تماما.. لكن لننتظر قادم الأيام ونرى النتائج ونحكم على الحدث ومصداقية التغيير بعد ما حدث..
للعلم هذا المقال كتب منذ اليوميين الأولين للكارثة، لكني فضلت الانتظار والتريث بعض الوقت على نشره حتى تمر شدة الأزمة ونرى بعضا من نتائج الفزعة خاصة على مستوى أصحاب السلطة..
ورحم الله ضحايا الجبل الأخضر جميعا، وعوض الأحياء منهم خيرا وصبرا..