* كتب/ خالد الجربوعي،
رغم مرور عقد من الزمن على احداث فبراير 2011، ورغم كل المتغيرات، ورغم التعود ولو نسبيا على الوضع الحالي ولو بصعوبة، ورغم الرغبة في التغيير التي صاحبت تلك الاحداث وكانت مطلوبة بعيدا عن ظروفها وما خلقته من أزمات ومشاكل..
رغم كل ذلك إلا أن هناك شعورا نعيشه على الأقل على المستوى الشخصي في هذه السنوات التي تجاوزت العشر.. التي مرت وما صاحبها من أحداث على كل الأصعدة.. ما هي إلا مجرد مرحلة عابرة ننتظر بعدها العودة إلى ما كنا عليه سابقا، وإلى الحياة التي تعودنا عليها..
وهنا طبعا لا أقصد على المستوى السياسي والحكم والنظام، ولكن على المستوى المعيشي اليومي والحياة العادية من روتين عمل طبيعي وجلسات خاصة عائلية وعامة، وظروف تعودنا عليها لسنوات طويلة، نشعر اليوم أننا افتقدناها..
رغم ما قد نكون حققناه من متغيرات خاصة وعامة وحتى تحقيق بعض الأحلام التي لم نعيشها سابقا لسبب أو آخر.. حتى أن الواحد أصبح يشعر وكأنه في مستشفى ينتظر متى يخرج منه، أو أنه رحلة خارج الوطن ينتظر متى يعود منها إلى حضن البلاد ومشاركة العباد التي أصبحت اليوم صعبة جدا.. فحتى التعامل مع الآخرين أصبح حذرا، والحديث معهم أصبح صعبا، خاصة عند التطرق إلى الشأن العام، وفي مقدمتها الشأن السياسي..
ففي الماضي كاد يكون الكل مجمع على انتقاد النظام وما يفعله حتى من هم أشد المؤيدين له اليوم، ولم تكن تلك الأحاديث تتجاوز النقاش العادي، ويخرج الكل أحباء ولا ضغينة ولا عداء ولا غيره.. اليوم أصبحت أي كلمة في هذا الأمر تحولك إلى عدو وخصم، وتجعلك هدفا حتى للمقربين منك ومن أفراد أسرتك.. والكل يوجه التهم للكل بالخيانة والعمالة والانتماء لهذا الطرف أو ذاك، وبعدم الوطنية، أو بالخروج عن الدين مرة واحدة، فقط؛ لأنك قد تكون عبرت عن وجهة نظر أو رأي يخالف جليسك حتى لو كان من أقرب المقربين إليك.. أما انتقادك لشخص ما يدعمه ويؤيده فأصبح جريمة لا تغتفر أيا كان الشخص.. حتى أصبح الحديث في الشأن العام مع أي شخص أو طرف من الغباء، وعدم المنطق الخوض فيه، والتحدث حوله مع آخرين، فأصبح تجنب اللقاءات الاجتماعات وحتى الجلسات العائلية العامة خاصة تلك التي تجد من لا يحلو له الحديث فيها إلا عن الشأن العام من المحرمات ومن الذكاء تركها والابتعاد عنها.. ليصبح المرء يشعر بأنه يعيش غربة أكثر ممن هو خارج البلاد، ويطلب العودة إلى الحياة التي تعود عليها طيلة عقود من الزمن بكل معاناتها وأزماتها، وينتظر أن يعود إليها يوما ليكمل بقية حياته بشكل طبيعي دون قلق كبير أو غربة يعيشها كل يوم، رغم أنه مازال في وطنه وداخل بيته، ولكن تغير محيطه وشعبه، فما بالك بمن يعيشون فعلا غربة حقيقية خارج الوطن..
فهل نعود يوما إلى أحضان وطننا أو نعيد ما كان شخصيا واجتماعيا لا سياسيا طبعا؟.. أم هذا هو واقعنا ومستقبلنا ويجب علينا التعود عليه والتعامل معه كما هو؟ مهما كان صعبا وبكل ما فيه من غربة داخل الوطن..