*كتب/ عاطف الأطرش،
لو يدرك أصحاب السلطة في ليبيا درجة ولاء المناصرين لهم… وقاموا بقياسها تاريخيا بمن سبقهم… لنصبوا المشانق في الميادين لهم قبل معارضيهم!!
فالأحداث متشابهة بدرجة مدهشة… بل تكاد تكون واحدة باختلاف التوقيت ليس أكثر…
فمن جايل حقبة الملك ادريس السنوسي… سيتذكر مثلا استقالة الملك الأولى… وتوافد الوفود لإقناعه بالعدول عنها… وظهور أحد المواطنين الصالحين مهددا بذبح ابنه لو لم يعدل الملك عن استقالته… وكانت للملك جولة في ربوع ليبيا… واستقبل فيها استقبال الفاتحين… وفي ذات الوقت كانت الصراعات القبلية على أشدها… حتى وصلت إلى معايرة الملك نفسه بأصوله غير الليبية… وأحقية أي مواطن ليبي آخر بالعرش طالما كان ليبيا خالصا..
ومع استمرار المناوشات السياسية صحبة فساد ذمم المقربين منه… قدم استقالته الشهيرة والتي يستشف فيها القارئ بما معناه: (اقعدوا فيها).. قبل أقل من أسبوعين من انقلاب سبتمبر وخروج ذات الشعب ابتهاجا بالقادمين الجدد وسب (سلسفيل) الملك…
تتكرر هذه الأحداث مع القذافي نفسه… أو الفقيه كما كانوا يسمونه ذات لحظة عشق وغرام شعبي… وتبدأ الصراعات بين أفراد شلة الانقلاب نفسها… ويتم سحقهم في مناسبات عدة… حتى يسأم القذافي نفسه فيقدم استقالته من منصبه… فتتداعى الوفود لثنيه عن تلك الاستقالة… و(ينطلص) مواطن صالح مهددا بذبح ابنه في حال لم يستجب لخ القايد لمطالب الجماهير وقتها!!
تبدأ الأزمات الاجتماعية في البلاد نتيجة للأفكار الغريبة التي طبقها القذافي من خلال كتابه الأخضر… ويبدأ مسلسل التشكيك في أصوله… وتنهمر النظريات والتساؤلات حول من هم أخوال معمر… أو من هو أبوه بالضبط؟!!
ويستمر هذا العهد ليأكل من أعمارنا أربعة عقود ونيف… ويتحول من جماهيرية الشعب… إلى مملكة وراثية تحت (طابيلة) ليبيا الغد… تزينها تيندا ممهورة بشعار الإصلاح!!
لكن لم يعد باستطاعة العطار إصلاح ما أفسده الزمن… وتقرر رمي كل ذلك في مكب النفايات… حتى قرر “القضاء والقدر” التخلص منه… وكان له ذلك… ويحل عهد جديد بطبيعة الحال… وابتهج له جل الليبيين… ومن ثم ينتكس هذا العهد ويخرج من رحمه مشروع سياسي آخر وبغطاء عسكري… وبشعار يفضله أسياد الكوكب: محاربة الإرهاب… مع أن محاربته لا تستوجب استخدام المدفع والدبابةـ بل تحتاج لتقنية حديثة وناعمة… لكن من سيحتج؟! أو من سيجرؤ على ذلك؟!
وصاحبت هذا المشروع نفس الجوقة التي صاحبت ما سبقها من مشاريع… وبذات الأدوات… وبذات العقلية…
ومع ظهور بوادر صعوبة تحقيق هذا المشروع… ظهر مشروع مواز له… صحبته نفس الجوقة وبطريقة بارعة… باسم الوفاق الوطني… ويبدو أنه كان يراد لأحد هذين المشروعين استيعاب الآخر أو وضعه تحت (باطه)… لكن الأمر كان أشبه بانتظار المعجزات!!
فاشتعلت نيران الحرب بينهما لم تبق ولم تذر… ليعاود أسياد الكوكب رسم خطوط التماس… والبدء في عملية تلقيح سياسي جديدة… تنتهي بانتخابات ديمقراطية تأتي بذات الوجوه السمجة التي تحكم الجميع في الوقت الحالي… فيما لو صمم الشعب الليبي العظيم تكرار التجربة معهم منتظرا نتائج مختلفة!!
والمتابع للمشهد الحالي سيجد ما حدث بالماضي يتكرر نفسه في الحاضر… ويتوقع تكرره في المستقبل… فوصلات الغناء والمديح بأصحاب الفخامة والسيادة والقيافة هي نفسها… وعرائض الوفود ومبايعات القبائل هي ذاتها التي تبيع أصحاب البيعة بالبلاش إلا ربع!!
وتبقى آخر فرصة لليبيين لإثبات عكس كل ما سردناه… بأن يخوض تجربته الأخيرة… ويصمم عليها باختيارات صائبة… ويقاتل من أجلها… فوضع البلاد لم يعد يسمح بمنح هؤلاء المهرجين فرصة أخرى… إلا لو كان الولاء والبراء عند الليبيين… لا ينجح سوى بتنصيب البائسين علينا!!