* كتب/ عطية الأوجلي،
بعد عشرين عاما من المطاردات والتحقيقات تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي من القبض على مرتكب سلسلة من التفجيرات التي أثارت الرعب في الجامعات وشركات الطيران.
تم القبض على تيد كاسيزنسكي الذي وُجهت له تهم عديدة من بينها مقتل ثلاثة أشخاص.
بدأ تيد جرائمة في عام 1975 حينما أرسل رسالة متفجرة إلى أستاذ بجامعة نورثويسترن والتي انفجرت بيد رجل أمن بالجامعة شك في محتوياتها. توالت التفجيرات والرسائل لمدة عشرين عاما كاملة شغلت فيها قضيته الرأي العام وحيرت رجال البوليس.
ولكن حيرة المجتمع تضاعفت عندما تم القبض على المتهم. فالمتهم كان رجلا متعلما وواسع الاطلاع كما كان طالبا بارزا في صغره، وتفوق في الرياضيات حتى إنه تحصل على منحة كاملة من جامعة هارفار التي التحق بها وعمره لا يتجاوز السادسة عشر. بدأت التحقيقات مع هذا الرجل الذي اعترف بجرائمه وزاد من حيرة المحققين باعترافه أنه قد ارتكب هذه الجرائم متأثرا بكتاب الكاتب الشهير جوزيف كونراد “العميل السري”.
أدى هذا الادعاء إلى نقاش حاد في الأوساط العلمية والأكاديمية والفكرية حول العلاقة بين النص والجريمة.. هل يمكن لنص أن يدفع إنسانا إلى ارتكاب الموبقات؟.. ولماذا؟ وهل الخلل في النص أم في تكوين وتفسير القارئ له؟.. وماذا عن الملايين الذين قرأوا كتاب كونراد ولم يرتكبوا أي جريمة؟ ومن المقالات التي كتبت حول هذا الموضوع مقال للدكتور جوناثان جوتسكال الذي كان درس الجريمة والإرهاب، وخلص فيه إلى خطورة المنهج الذي يحاول أن يجد سبب العنف في المجتمعات في كتب معينة أو في أفلام سينمائية أو ماشابه.
فالعنف هو مؤشر لتفكك المجتمعات وإلى أزمات عميقة تمر بها وانعكاسها على بعض الأفراد، وجعلهم مؤهلين أكثر من غيرهم لعقاب المجتمع على ما يمرون به من أزمات حادة واضطرابات نفسية. وإنه لا يمكن محاربة الجريمة والتطرف إلا بمعرفة الدوافع الكامنة والظروف التي خلقت مثل هذه العقليات المنحرفة.
وأجدني في توافق مع ماخلص إليه الكاتب.. فالنصوص كيانات جامدة لا حياة بها ومن يمنحها الحياة هو القارئ لها. العلة ليست في النصوص فهناك الملايين ممن يقرأونها ولا يتأثرون.. العلة في نفسية القارئ ورغبته الملحة في إيجاد تبرير لما في داخله.
التفاسير البسيطة والمريحة للمشاكل لن يجعلها تختفي من حياتنا.. بل العكس سيزيدها ضراوة وانتشارا وقسوة.. ويبقى الإنسان كائن مُحير.. يصعب التنبؤ بأفعاله.. كما يصعب تفسيرها ..!