* كتب/ أنس أبوشعالة،
لاحظ أن الأمم المتحدة وسائر الدول الفاعلة والمتداخلة في المشهد الليبي، يجمعون على ضرورة تفكيك الحالة الليبية إلى دوائر منفصلة دون خلطها، لما للخلط من استحالة في الدمج و التوفيق، وبعد التفكيك يقع الترتيب للوصول إلى صيغة أقرب للواقعية .
هذه الدوائر تتلخص في الآتي :-
أولاً/ الدائرة العسكرية و تمثلها “القيادة العامة للجيش” ولجنة 5+5 و هذه الدائرة مجتمعة تُعنى بكافة الشؤون العسكرية والتي لا تتعلق بحدود ليبيا وأمنها، بل بتموضعها العسكري والتعبوي في حرب القطبين الروسي الأمريكي، والتي ليبيا من ضمن ساحاتها المهمة .
ثانياً/ الدائرة الأمنية وتمثلها مجموعة القيادات والأجهزة الأمنية في المنطقة الغربية، وخصوصاً في العاصمة طرابلس، وهي المسؤولة حقيقةً على تأمين كامل الغرب الليبي وعاصمة الدولة ومؤسساتها، وهي تُعنى بمكافحة الجريمة المنظمة والعابرة للحدود والإرهاب والهجرة غير الشرعية وغسل الأموال، وهذه الجهات محل اعتبار لدى المجتمع الدولي والدول الكبرى على الصعيد الأمني والاستخباراتي.
ثالثاً/ الدائرة المالية، وهذه الدائرة تمثلها مؤسستان رئيسيتان، ألا و هما، مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، و هذه الدائرة محل دعم واعتبار من المجتمع الدولي، بصرف النظر عن أي توجهات فرعية من هنا أو هناك، وهاتان المؤسستان تمثلان العمود الفقري والنخاع الشوكي لوجود الدولة، ودورهم المفصلي في دعم إنتاج النفط والغاز والتموضع في معسكر حرب الطاقة المشتعلة في حوض المتوسط بين أوروبا وأمريكا وروسيا، وكذلك دور المصرف المركزي في ضبط ورصد مصروفات الدولة بما لا ينتهك المتطلبات الدولية المتشددة تجاه غسل الأموال وتسربها خارج النطاقات المرسومة دولياً.
رابعاً/ الدائرة السياسية والتشريعية، وحيث أن السلطات السياسية القائمة حالياً على مستوييها التشريعي والتنفيذي في حالة جمود وانسداد وعدم إمكانية التوافق على قوانين منظمة للانتخابات، بما ينهي السلطات القائمة وإنتاج سلطات منتخبة، وهذا الانسداد قد يكون عجزاً أو عمداً من قبل مجلسي النواب والدولة، ونظراً لاعتبار اتفاق الصخيرات له قوة دستورية “مجازاً” محلياً ودولياً بموجب تضمينه في الإعلان الدستوري والعمل بمقتضاه دستورياً في باب السلطة، والحائز لإرادة مجلس الأمن بقرار قائم وسار، وانطلاقاً من ذلك سيتم تشكيل لجنة جديدة على غرار لجنة الصخيرات وجنيف، وستتولى إنشاء وتأطير المتطلبات التشريعية للانتخابات المقبلة، ومنها سيتم إنتاج سلطة رئاسية وتشريعية منتخبة، وسلطة تنفيذية ستولد من رحم تلك السلطات المنتخبة، وسيكون للتشريعات الانتخابية حجية وشرعية تضفيها الإرادة الدولية المتمثلة في الأمم المتحدة.
ومن خلال استعراض هذه الدوائر، سيتم التعامل معها كل على حدة، والتنسيق فيما بينها من خلال بعثة الأمم المتحدة، وسيتم الترتيب والتوليف فيما بينها لتنظيم وتأمين الانتخابات وضمان القبول بنتائجها، ومن ثم وطالما تم حل الإشكال الأمني والعسكري والمالي، وكذلك التشريعي والدستوري، لم يعد ثمة حاجة للخوض في أتون الصراع على السلطة التنفيذية في هذه المرحلة الانتقالية القصيرة، وكل حكومة تؤمن مناطق نفوذها، ولكل حكومة تواصلاتها مع المجتمع الدولي، ولكل حكومة إرادة معلنة بدعم وتأييد إجراء انتخابات نزيهة وشفافة بإشراف مباشر من الأمم المتحدة والمراقبين الدوليين المستقلين، وإذا كانت ليبيا قد مرت بمرحلة الصخيرات وتلتها مرحلة جنيف نستطيع القول أن ليبيا قد دخلت فعلاً في مرحلة جديدة قد نستطيع تسميتها بمرحلة ما بعد جنيف، من خلال ما سماها السيد باتيللي باللجنة رفيعة المستوى التي ستكون وريثاً أممياً للجنة ال 75 التي كانت سلطة تشريعية في إنتاج سلطة تنفيذية، أما رفيعة المستوى ستمارس اختصاصات السلطة التشريعية لسن التشريعات و القوانين الانتخابية وكل متطلباتها القانونية.
هذا في رأيي الرأي الذي خلصت وانتهت إليه بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في أغلبه، دون الإغراق في المناكفات الروسية الأمريكية والإقليمية بهذا الخصوص؛ إذ يصعب استمرار جمود الأوضاع في ليبيا على هذا الحال .
اليوم أطلق باتيللي صافرة البداية لانطلاق أحداث سياسية حامية الوطيس، تتفكك وتتشكل فيها التحالفات وتتغير معها الأولويات والمصالح، وسنرى تكتلات سياسية غير متوقعة، وائتلافات لم نكن نتخيلها، لمواجهة هذه المنافسة السياسية التي ستؤسس لشكل الدولة الليبية العشر سنوات المقبلة، وفي جميع الأحوال فإن المنافسة السياسية مهما بلغت حدتها خير ألف مرة من طلقة واحدة يطلقها الليبي على أخيه الليبي.
*محام