* كتب/ عبدالله الكبير،
مع اقتراب الموعد المحدد للانتخابات ترتفع وتيرة ركض الأطراف المحلية والدولية لحجز حصة مناسبة من السلطة والنفوذ في نتائجها، أو ابتكار المزيد من العراقيل لتأجيلها إذا لم تضمن سلفا نتائج تحفظ لها حصتها الحالية من السلطة على أقل تقدير. تماما مثلما يزيد العداؤون من سرعتهم مع اقترابهم من خط النهاية.
خط النهاية للانتخابات هو يوم الاقتراع، في نهايته تعلن المفوضية عن النتائج وتكشف النسب والإحصائيات المختلفة للعملية الانتخابية وإعلان أسماء الفائزين. وجه الاختلاف عن سباقات الركض التقليدية، هو قدرة بعض أطراف سباق الانتخابات على إبعاد خط النهاية بضعة أشهر ما قد يفتح الباب على كل الاحتمالات.
الاندفاع نحو الانتخابات من دون الإطار القانوني الشامل، ربما يؤدي إلى فشلها بمقاطعتها أو عدم الاعتراف بنتائجها. هذا ما أجبر البعثة الأممية والأطراف الدولية على التراجع عن الترحيب بالقوانين الصادرة باسم مجلس النواب، واستئناف الدعوات إلى تحقيق أقصى ما يمكن من توافق، وتأييد المفوضية في مطالبتها بتعديل بعض البنود في القوانين حتى يقفل باب الطعن فيها أمام القضاء، فرغم تعطل الدائرة الدستورية إلا أن القضاء الإداري قد يفصل في الشق المستعجل من الطعون، ويحكم ببطلان الإجراءات لمخالفتها الإعلان الدستوري والقوانين ذات العلاقة، وفي هذه الحالة ستجد المفوضية نفسها ملزمة بإيقاف المسار الانتخابي.
وتكشف آخر تطورات مشروع الانتخابات عن حجم الضغوطات الواقعة على المجلس الرئاسي ومفوضية الانتخابات، وبقية أطراف المعادلة السياسية، فعضو المجلس الرئاسي عن الغرب عبد الله اللافي أصدر مبادرة لفتح الانسداد في طريق الانتخابات، بدعوته لاجتماع مجلسي النواب والدولة للتوافق حول القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات، فإن تعذر هذا التوافق يتولى المجلس الرئاسي مسؤولية إنجازها. ويفسر عدم تبني العضوين الآخرين للمبادرة لتعلن فيما بعد باسم المجلس الرئاسي مجتمعا، هو وقوعهما تحت ضغوط محلية ودولية، فضلا عن غموض التكييف القانوني لها لأن المبادرة تحيل اختصاص إصدار القوانين إلى المجلس الرئاسي.
وبعد نحو ساعة من نشر المفوضية لشروط الترشح للانتخابات الرئاسية على صفحتها الرسمية، قامت بسحبها، معتبرة نشرها مجرد خطأ! ولا نعتقد أن ثمة مجالا للخطأ في ظل دقة الموقف وحساسيته، فالأرجح هو تدخل طرف ما أو عدة أطراف، ومطالبتهم بسحبها لأنها شروط تسمح لرئيس حكومة الوحدة الوطنية بالترشح، فيما تسعى بعض الأطراف عبر البرلمان إلى الحيلولة دون ترشحه، بسبب تنامي شعبيته، ورجحان كفته في استطلاعات الرأي، بتفوقه على كل المرشحين المحتملين من الشخصيات البارزة في المشهد السياسي حاليا.
لم نعد نملك ترف الانتظار لوقف هذا التدهور على كافة المستويات، فلا مندوحة عن التغيير، إذ فشلت المنظومة الحاكمة منذ سنوات في التصدي للأزمات التي عصفت بالبلاد، ولا تغيير من دون انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، وقد بالغ الطرف المسيطر على البرلمان في مماطلته، ثم سن قوانين تكرس استمراره في المشهد، أو وقوع تغيير محدود في بعض الشخصيات الهامشية، فبهذه القوانين وعدم وجود قاعدة دستورية صلبة، لا يتوقع أن تسقط هذه الانتخابات منظومة التأزيم والفساد.
وإزاء كل هذا الشد والجذب، والغموض الذي يلف العملية برمتها. لا يبدو واردا التوافق حول الإطار القانوني الناظم لانتخابات مقبولة تنسجم مع مطالب الشعب وتطلعاته، ولا يبدو أن البيئة الأمنية الملائمة ستكون جاهزة في الموعد المحدد للانتخابات، لنضمن نجاحها وعدم الطعن في نتائجها، فإن إصرار القوى الدولية مع حلفائها المحليين على إجرائها، يعني أن التغيير المنشود ما يزال بعيد المنال، وستعيد المنظومة السياسية المسيطرة حاليا نفسها، دون تغيير جوهري يطيح بها، ليتشكل مشهد مغاير نسبيا، ينهض لمواجهة المعضلات التي تفاقمت خلال سنوات الصراع. فإذا لم تكن المقدمات سليمة لن تكون النتائج مختلفة.